صدر للدكتور محمد بن عبد الرحمن البشر كتاب بعنوان «مآسي الأندلس» عن «العبيكان للنشر» وجاء في (292) صفحة، ويتناول بطريقة مشوقة ومتماسكة فترة تاريخية طويلة زمنياً، تمتد ما يقارب ثمانية قرون، بلغة سليمة وجودة في الأسلوب والسرد تجعل المغزى يصل إلى الجميع دون استثناء ودون فرق بين مستوياتهم الثقافية، فقد قام الكاتب باختزال شديد للأحداث التي كانت وراء سقوط الأندلس، وكيف بدأت القناديل تخبو، والنجوم تأفل واحدة تلو الأخرى. وبدا الكاتب طبيباً بارعاً متمكناً من أدواته وتشخيصه إذ يقول: «ضاعت الأندلس بعد أن كانت محطة عبور العلوم إلى أوروبا مدة غير يسيرة من الزمن، وكان ضياعها بأيدي أبنائها في الغالب، فما عسانا نقول، وهل لنا أن نعتبر»؟ انتقل بالقارئ واختصر له المسافات والأزمنة، وتأمل في الحضارة الأندلسية كثيراً، وفي أسباب زوال تلك الحضارة، وحرص على إعطاء الموضوع حقه بكل دقة وأخذ من مصادره التاريخية ما أراد، وترك ما ترك دون أن يشعر القارئ بهذا الاقتطاعات، فأسلوبه كالروايات لا تود أن تنتهي منه. بيان لا يوصف وتعبير سلس كفيل بكتابة التاريخ من جديد. إنه يعرف تماماً كيف يأخذك في رحلة عبر الزمن إلى أماكن المآسي والأحزان، والخيانات وكيد النساء ودورهن في تحول الأحجار الثمينة إلى رماد، فهو يجعلك في مكان قريب من حضارة الأندلس لتعيش الأحداث وتتماهى مع كل حرف من أحرف الكتاب حتى يظن المتلقي أن بإمكانه أن يشرب الماء من الغدائر هناك، ومعارف السفير الغزيرة جعلته يزين سرده بالشعر ليرسم صورة الأحداث كاملة دون إبهام ودون إضاعة الوقت. وقد ختم الدكتور كتابه بهذه الكلمات: إن المأساة الحقيقية في الأندلس تكمن في لذتين، لذّة السلطة ولذّة الشهوة، ومنهما انبثق كل خطر داهم الأندلس، فلذة السلطة تجعل التضحية بالناس والأرض والمال مباحة في سبيل الإمساك بها، ولذة الشهوة تجعل الحاكم الأندلسي يضعف أمام الجواري والزوجات، والأبناء والشراب، فيضحي بحسن التدبير، وبتولية الخبير، وبحفظ بيت المال من التبذير. الدكتور البشر أضاف عملاً قيماً عن تلك الحقبة التاريخية إلى المكتبة العربية التي كانت بأمس الحاجة إلى هذا الكتاب، الكتاب الذي كانت الرفوف تنتظره ليملأ الكثير من الفراغ، كتاب غني بالأحداث والتحولات في فترة تستحوذ على مساحة مهمة جداً في الفكر الإسلامي والإسباني. علينا أن نقرأ هذا الكتاب ملياً ونأخذ منه العبر، حتى لا تتكرر مآسٍ أخرى في العالم العربي والإسلامي، ولنأخذ منه دروساً ودوافع للعبور والتنقل نحو مستقبل لا تكون فيه هذه الأخطاء والأحزان.