وسط حضور ضم كلا من مستشار العاهل المغربي الدكتور عباس الجراري ووزير التعليم العالي الدكتور لحسن الداودي وعددا من الشخصيات الدبلوماسية والثقافية، قدم سفير خادم الحرمين الشريفين في العاصمة المغربية الرباط الدكتور محمد عبدالرحمن البشر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مؤلفه الجديد (مباهج الأندلس) الذي أعقب إصداره الأول (مأساة الأندلس)، وهما مؤلفان توأم أضفيا قيمة مضافة على الساحة الثقافية العربية، لما يحويانه من معلومات سوسيو تاريخية تروي أحزانا وأفراحا من حياة من مروا بالأندلس وثقافتها قبل أفول شمس الحكم العربي. يعلق الدكتور البشر في شرحه ل(مباهج الأندلس) بأنه كتاب يغرد بالمطلع عليه في سماء الغرام ويزج به في بحر الهيام، فعندما فتح المسلمون الأندلس، كانت الغاية نشر الإسلام ومحاربة العدو ونيل الأوتار من الجوهر والنساء والثمار، ولم يتفرغ ذلك الرعيل الأول من الرجال في بداية أمرهم لمجالس الأنس، لأن لهم نوايا تغني عن العبث وقلوبا تكفي عن حصانة الدروع، ولقد نجحوا في مهمتهم أيما نجاح، ويذكر أنه قال عند قراءة (مآسي الأندلس)، «إن التاريخ يقرأ للعلم أو للاستمتاع، أو للاعتبار، أو بعضهما، أو جميعها، ومهما تكن الغاية، فإن الاعتبار لا يستفيد منه سوى اللبيب المدرك» فالأمل بنظر المؤلف، هو أن يكون ذلك هو السائد في البلاد العربية، وفي عصرنا الحاضر على الخصوص، لأننا، قادة وشعوبا، في حاجة ماسة إلى الاعتبار، «لأننا نرى دولا كثيرة في العالم تسابق الزمن في التطور العلمي والتقني، ونحن الآن نقرأ التاريخ ونفخر، أو نقرأه فنضجر، لكن ماذا يجلب لنا الفخر والضجر إذا لم يكونا دافعا للعمل، وينصح الحاضرين لمناقشة كتابه، بأنه واهم من يظن أن التقدم يكون بالقراءة والتأليف فقط، وأهم من يظن أن التقدم يكون بفن القوانين والتنظير فقط، وواهم من ظن أن التقدم يكون بالعلاقات الخارجية فقط، وواهم من ظن أن التقدم يكون بالبحث العلمي فقط .. فإذا لم يصاحب ذلك عملا جادا وجهدا مضاعفا وكفاءة إنتاجية واقتصادية عالية، تبقى كل تلك الأدوات للزينة لا غير». ويذهب البشر إلى أن بعض الأندلسيين عاشوا في فترة من حياتهم في رغد من العيش ونالوا من متع الحياة ما لم ينله سواهم، لا سيما الطبقة الحاكمة والميسورة منهم في ذلك الزمان، يرتعون في الغالب كما يشاءون دون ضوابط سلوكية أو محظورات اجتماعية، إلا في القليل النادر، في فترة من فترات معيشتهم تلك، ويصف الكاتب حكام تلك الفترة التي تناولها الكتاب، وكذا أعوانهم، بالذين كانوا يعيشون في قصور منيفة تتوسطها النوافير ويزين جدران مجالسها الذهب والفسيفساء، وتحفها تماثيل على هيئة صور أسود ونمور وغيرها من الحيوانات.. وغالبا ما كان يملك حكامهم والنافذون من حجابهم ووزرائهم وأعوانهم متنزهات خارج أسوار القصور يقضون بها متعهم ويأنسون فيها بمباهجهم، ويستدل على ذلك بقول عبد الملك المظفر، أحد حجاب حكام العصر الأندلسي، الذي كان بمثابة حاكم، حين قال: «زمان جديد وصنع جديد ودنيا تروق ونعما تزيد». ومن ذلك يبدو أن طبقة معينة في معظم فترات الأندلس كانت تستأثر بالمال والجاه، بينما يعيش معظم الشعب على الكفاف، وصاحب (العقد الفريد)، أحمد بن عبد ربه ، يشهد بصدق على ما كانت تعيشه الأندلس في العصر الأموي الزاهر، يستدل المؤلف، فالشاعر كان كثير التذمر في قوله: «وأيام خلت من كل خير، ودنيا قد تنازعها الكلاب؛ كلاب لو سألتهم ترابا لقالوا عندنا انقطع التراب». فدرجة البذخ والشطط بلغت أعلى درجات الاستهتار في ذلك الزمان الأندلسي، يتأسف الكاتب، فهذا عبد الرحمن الناصر، الحاكم الذي امتد حكمه 50 عاما ، أمر ببناء مدينة سماها (الزهراء) لتحقيق رغبة جاريته (الزهراء) وكان يصرف على بنائها ثلث ما يصل إلى الخزينة من الأموال . لكن، ولما قعدت الجارية الحسناء في مجلس الحاكم عبدالرحمن الناصر، نظرت إلى حيث المدينة وحسنها، فبدت لها في سفح جبل أسود، فقالت: «يا سيدي ألا ترى إلى حسن هذه الجارية الحسناء وهي في حجر ذلك الزنجي الأسود..»، فما كان على الحاكم المتيم بحب جاريته إلا أن أمر بزوال ذلك الجبل، فقال له بعض جلسائه: «أعين أمير المؤمنين أن يحضر له ما يشين العقل، فلو اجتمع الخلق ما أزالوا الجبل حفرا ولا قطعا، فلا يزيله إلا من خلقه». فأمر الحاكم بقطع شجره وغرسه تينا ولوزا . وأوضح البشر للحاضرين الذين غص بهم مدرج الشريف الإدريسي بكلية الرباط، أنه خص (نجباء الأندلس) بفصل كامل، لأن الأندلس كانت زاخرة بالنجباء، الذين اختار منهم ثلاث هم: أبو عامر أحمد بن شهيل، علي بن أحمد بن حزم وأبو الوليد بن زيدون المخزومي . والنساء كان لهن نصيب في (مباهج الأندلس)، فقد نلن من مباهجها الكثير، فقد سعدن بالمال والجاه وسعة القصور، وجميل الدور والتزين بأجمل اللآلئ، حتى أن الأمير عبدالرحمن الأوسط أمر لجاريته (طروب) بعقد جوهر كانت قيمته عشرة آلاف دينار، ما جعل بعض من حضر ذلك من وزرائه وخاصته، يعظم ذلك عليه ويقول: إن هذا من الأعلاق المضنون بها الادخار للنائبة .. فقال له الأمير عبد الرحمن «ويحك..! إن لابس العقد أنفس خاطرا وأرفع قدرا وأكرم جوهرا ولأن راق من هذه الحصباء منظرها ولطف إفرادها فقد بر الله من خلقه البشر جوهرا تغشى منه الأبصار».