إلى عبدالله المطيري.. بدوياً كان، وبدوياً يبقى: أيّها البدويُّ الذي راحَ يبحثُ عن شمسِهِ في المغيبْ. أيّها الكان مثل النّهار مضيئاً يُسرّح أغنامَ أفكارهِ في ربيعِ العقولِ ويِكسِرُ أوقاتَه بالحُداء الرّطيبْ. يا الذي كان لصّاً صغيراً يُحاول أن يسرقَ العمرَ كيما يُحقّقَ في عمرهِ المستحيلَ ويسرقَ كُحل العذارى ليرسمَ أحلامهنّ على رَدَهَاتِ القلوبْ. أيّها الكان رَطْباً نديّاً.. كنخلاتٍ أُمٍّ له في الجنوبْ. وكان عصيّاً كمثل أبيهِ على النازلاتِ وكان شفيف الهوى كرمال «النّفودِ» سَخِيّ الذّرى كرياح الهبوبْ * * * هل وجدتَ الذي كنتَ تبحثُ عنه - أيا صاحبي - في البلاد البعيدةِ؟ هل بتّ تعرفُ صدقَ الأساطيرِ وهي تسيرُ بجانبِ رُوحَيك: روحٌ هنا تَسْتكينُ وروحٌ هناك كوجه الغريبْ؟ أتُراك نسيتَ المراعي التي أنجبتكَ.. نسيتَ الرياح التي أتعبتكَ.. نسيتَ احتماءاتِنا في صَفَحاتِ الكُتُبْ.. وارتهاناتِنا للزمان العجيبْ؟ أتُراكَ وجدتَ البلادَ التي رُحتَ تبحثُ فيها عن الفلسفةْ؟ أم أضعتَ خرائطها في المطاراتِ حين استفقتَ على دمعتين تحدّرتَا من سحائب نجدِ التي لم تكُ يوماً على كل أوجاعها آسفة؟ هل نسيتَ نداءاتِها - يا صَفِيّ الوَفَا - في المغيبْ؟ * * * أنتَ يا أيّها البدويّ الصغيرُ ارتحلتَ كما يرحلُ البدوُ خلفَ جِمالهمُ وجِمالُك عقلُك حين تَضُجّ صَحَاري الجزيرةِ بالأسئلةْ ذهبتَ، وكنت نبيّ السؤال القديمِ عن الله، والخلق، والمعضِلةْ ذهبتَ لتترك خلفك نوقَ القرى ذاهلةْ تعالَ، وخُذْ أُقحوان العيونِ ورملَ الأصابعِ خُذْ تمرةَ القلبِ وزُوّادةً للرحيلِ البعيدِ لتمضي، وقد أدركتنا خُطى المرحلةْ * * * يا أمير الصعاليك هَا أنتَ تتركُنا في جحيم مرابعنا دون ذاك الغناء الذي كنتَ تَسكُبُهُ في أُذُنِ القافلةْ يا رفيق المفازاتِ ها قد تبخّر قَطْرُ الندى عن بقايا من الزّهرة الذابلةْ فتلك الدّيار التي كنتَ تعرِفُها خَرَجَتْ من مقابرها مُثقلةْ ورجالُ قبائلنا.. لم يعودوا رجالَ قبائلنا حين تنزِلُ فوق رقابِ قصائدِنا المقصلةْ * * * أيا - عُروةً للصعاليك - كنتَ أَمَا من حديثٍ عن البدوِ عندكَ نَقطَعُ فيه نهاراتِنا المستبدّةَ رمضاؤها نَقطَع «صُمّان» أوقاتنا بالحكايا البليدةْ ؟ كيف هي المُدُنُ الأجنبيّةُ يا صاحبي البدويِّ ؟ وكيف نساءُ «الخواجاتِ»؟ ما فَعَلَت عبلةُ فيهنّ؟ كيف تكون خيامُك في «ناطحاتِ السحابِ»؟ وكيف الحياةُ البعيدةْ؟ * * * أيا صاحبي: إنّ ليل الصعاليك طالَ وسامرُنا ما انقضى تتقلّبُ أرواحنا فوق جَمْرِ الغَضَا - يا ربيبَ الفَضَا - والنُّدامى، القريبون منّا، الوحوش الطريدةْ أنا = أيّها البدويّ الغريب هناك = غريبٌ هنا. كَيْ أَرُودَ الدّيار التي غرّبتك، أَرُودُ دياري التي غرّبتني فلا هيَ تُدنِي وُرودِي ولا هيَ تُسرِحُني كالذئاب الشريدةْ. تغرّبتَ أنتَ تلاحقُ شَمسَكَ في كل بيدٍ ورُحتُ أغرّب شمسِيَ بين العبيدِ فعُدتَ بشمسِك بين يديكَ تُضيءُ وعُدتُ بشمسيَ بين يديّ شهيدةْ المدينة أواخر ذي الحجة 1435 منتصف أكتوبر 2014