سيطر الجيش اللبناني أمس على منطقة باب التبانة في طرابلس، وبلدة بحنين - المنية ومحيطها، وواصل تمشيطهما وتعقب المسلحين المتعاطفين مع «داعش» و «جبهة النصرة»، بعد 3 ايام من المعارك معهم، إثر محاولتهم السيطرة على الأسواق القديمة في عاصمة الشمال ثم في باب التبانة. وأوقف قرابة 162 منهم، وصادر أسلحة وذخائر ووضع يده على مصنع للعبوات الناسفة، ودعت قيادته الفارين منهم الى تسليم أنفسهم، مؤكدة أن «لا بيئة حاضنة لهم». وحسم الجيش المعركة مع هؤلاء متسلحاً بقرار من قيادته بإنهاء ظاهرة الانتشار المسلح للمجموعات المتعاطفة مع «داعش» و«النصرة» في طرابلس ومناطق شمالية ولإنهاء الاعتداءات على جنوده، وبغطاء شعبي ورسمي كامل من الحكومة والقوى السياسية السنية يتقدمها زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، فرفض أي تسوية مع المسلحين معلناً نفيه الإشاعات في هذا الصدد، ومؤكداً أن «كل ما قيل في هذا الشأن يدخل في إطار الاستغلال السياسي لبعض السياسيين المتضررين من نجاح الجيش السريع والحاسم في استئصال هذه المجموعات». (للمزيد) وإذ شيّع الجيش في المناطق اللبنانية كافة شهداءه ال12 وبينهم 3 ضباط، فيما سقط نحو 10 مدنيين وعشرات الجرحى جراء الاشتباكات، عاش أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و «النصرة» حالاً من التوتر نتيجة استمرار تهديدات التنظيمين بقتل أحد هؤلاء العسكريين المحتجزين في جرود منطقة القلمون- عرسال أو أكثر، كرد فعل على المعارك التي خاضها الجيش ضد مناصريهم في الشمال اللبناني. وكان آخر هذه التهديدات من «داعش». وأكد مصدر بارز في قيادة الجيش ل «الحياة» أن وحداته أنجزت المهمة التي أوكلت اليها في طرابلس، وقال: «أعدنا المدينة الى حضانة الدولة وإلى أهلها الذين آزروا الجيش لإعادة الاستقرار ووقفوا الى جانبه ولم تعد هناك جزر أمنية أو مربعات ممنوع على القوى الأمنية الدخول إليها، وهي كانت تستخدم للإخلال بالأمن وتهديد الاستقرار الذي من حق أبناء الشمال عموماً وطرابلس خصوصاً أن ينعموا به بعد معاناتهم الطويلة مع المجموعات المسلحة التي تسببت بالفلتان». وقال إن العملية التي أنجزها الجيش إنذار نهائي لكل من يحاول العودة بطرابلس الى الوراء، مؤكداً أن وجود الجيش في طرابلس أو في غيرها من المناطق هو لحماية المواطنين ومنع المجموعات الإرهابية المسلحة من إقامة دويلة. وقدر عدد الموقوفين حتى أمس ب162 شخصاً شارك معظمهم في الاعتداءات على الجيش، فيما يعتبر 25 منهم مشتبهاً فيهم بالانتماء الى المجموعات الإرهابية، بين الموقوفين عدد قليل من السوريين. وأوضح أن الجيش يسيّر دوريات في طرابلس وباب التبانة والضنية والمنية وصولاً الى عكار، لملاحقة العناصر المسلحة في الجرود والبساتين والأماكن الوعرة. ووصف المصدر الأماكن التي انطلق منها أو تواجد فيها المسلحون أو لجأوا إليها، ب «البؤر الحمر»، التي وجه دورياته المؤللة والراجلة نحوها، وصولاً إلى عكار، مكرراً أن الجيش لن يتراخى وسيلاحق الخلايا النائمة إذا كانت موجودة، وسيبقى في استنفار للحؤول دون أي تعريض للسلم الأهلي للخطر. واستبعد غير مصدر من قادة طرابلس حصول تسوية، سواء مباشرة أم غير مباشرة، بين الجيش والمسلحين الذين تمركزوا في أزقة باب التبانة وشوارعها، وعلى رأسهم المطلوبان للقضاء أسامة منصور وشادي المولوي. وأشارت المصادر الى تمكن وحدات الجيش من تضييق الخناق على المربع الأمني الذي تحصن به هؤلاء الذي يقع فيه جامع عبدالله بن مسعود حيث تواجد منصور والمولوي، ما اضطرهما ومن معهما الى الفرار للاختباء في مكان ما، بعد استغلالهم وقف النار الذي حصل ليل الأحد لتأمين ممر آمن لإخراج النساء والأطفال والشيوخ والجرحى الى خارج باب التبانة. وأضافت المصادر أن فعاليات المنطقة المكتظة بالسكان لعبت دوراً في الضغط على المسلحين للانسحاب وأنذرتهم بأنها ستتخذ موقفاً إذا لم ينكفئوا، بعدما أصيبت المنطقة بدءاً بسوق الخضار بدمار كبير وقتل وجرح فيها عدد كبير من المدنيين جراء الاشتباكات. وشددت مصادر فعاليات طرابلس على ضرورة أن يتشدد الجيش مع من يحاول العبث بالأمن بعد الآن ولا عذر للتهاون في ذلك بعد سيطرته على باب التبانة، التي كانت مقفلة على القوى الأمنية. وأضافت، في معرض نفيها حصول تسوية، أن المولوي ومنصور ومن معهما انسحبوا بعد اكتشافهم تصميم الجيش على الحسم العسكري، خصوصاً أنهم لمسوا الاحتضان الشعبي للجيش واستحالة تأمين أي غطاء سياسي لهم، من فعاليات المدينة قاطبة والقيادات السنية، التي ساندت الجيش وساهمت في الاحتضان الشعبي لعملياته. وكان رئيس الحكومة تمام سلام ترأس صباح أمس قبل سفره الى برلين لحضور اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان ومؤتمر دعم لبنان في مواجهة أزمة النازحين، اجتماعاً أمنياً لمتابعة الوضع في عاصمة الشمال. وأكد سلام للإعلاميين الذين رافقوه على الطائرة أن «الوضع في طرابلس أصبح في نهايته والقرار اتخذ وهو الحسم مع الإرهابيين ولا يمكن الرضوخ والرجوع الى الوراء. وهناك تصميم على فرض الأمن والاستقرار على الجميع ولا بد من تسجيل الموقف الشعبي الحاضن للجيش وقوى الأمن». وأضاف: «المواجهة العسكرية فرضت علينا... الكلفة ليست بسيطة وهناك شهداء أعزاء ومواطنون أبرياء وخسائر في الممتلكات، لكن وحدة الصف الوطني تبقى ملاذنا». وقال إنه لا يمكن أحداً «أن يتنبأ بما يخطط له الإرهاب لكننا قطعنا شوطاً كبيراً في فرض الأمن والاستقرار في طرابلس والشمال»، آملاً بأن تتكثف جهود القوى السياسية والدولة لإنهاء الفوضى والتطاول على الجيش والقوى الأمنية. وأشار الى أن مخطط الإرهابيين كان نشر الفوضى وزرع الفتنة بين اللبنانيين وهذا ما فعلوه في بلدان أخرى. وتحدث عن «ممارسات أمنية شاذة كان أبرزها اختطاف عسكريين لبنانيين أبطال». ورداً على سؤال عن حصول تسوية، أجاب: «الكثير من الكلام يدور حول هذه المواجهة. هناك الكثير من الترتيبات التي تتخلل المواجهات، ما يهمنا استتباب الأمن وأن نكون موحدين». وعن قضية العسكريين المخطوفين أكد سلام أن المساعي للإفراج عنهم لم تتوقف «لكنني قلت من البداية إنها صعبة لأن التعامل مع الطرف الآخر لا يستند الى قواعد بل الى مزاجية إرهابية تملي ما تريد. وأشار الى أن «الموفد القطري يتحرك ونحن مستمرون في التعاطي مع كل المعطيات لتوظيفها للإفراج عن العسكريين». والتقى سلام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين، التي أكدت أن «ملف اللاجئين السوريين هو أخطر قضية يواجهها لبنان». وكان أهالي العسكريين المعتصمين في وسط بيروت، تعرضوا خلال الساعات ال24 الماضية للتلاعب بمشاعرهم من الخاطفين الذين دخلوا على خط المواجهات التي جرت في طرابلس مع المسلحين المتعاطفين مع «النصرة» و «داعش»، فبلغتهم تهديدات من التنظيمين، لا سيما «النصرة»، بقتل أحد العسكريين إذا لم يوقف الجيش ملاحقته هؤلاء المسلحين، أكثر من مرة. ومساء أمس أصدرت «النصرة» بياناً على موقع «مراسل القلمون» قالت فيه إنه «تم إرغام الجيش اللبناني العميل لحزب إيران... على الخضوع تحت متطلبات الشارع السني الذي انتفض ولن يقبل المذلة. تواصل معنا بعض الفضلاء، الشيخ مصطفى الحجيري،الذي قام بالتنسيق مع الوزير وائل أبو فاعور والشيخ سالم الرافعي الذي نسق مع الوزير أشرف ريفي ووزير الداخلية (نهاد المشنوق). كما تواصل معنا المندوب القطري من أجل احتواء الأزمة في لبنان. وتحقيقاً للمصالح الشرعية اتفقنا على إيقاف تنفيذ حكم القتل بحق الأسير علي البزال مقابل عودة الهدوء الى طرابلس وتأمين إخواننا المجاهدين وعودة أوضاع أهل السنة في طرابلس الى حالتها الطبيعية...». وأضاف بيان «النصرة»: «أخذ إخواننا المجاهدون قرار الانتقال الى مكان آمن بعيد من المدنيين حقناً لدماء المسلمين...». وكان أذيع على محطات التلفزة ليل أول من أمس تسجيل صوتي للمطلوب شادي المولوي يتحدث مع أحد مشايخ «النصرة» لإبلاغه «أننا اصبحنا في أنفاسنا الأخيرة والكل تخلى عنا...». وكان الجيش واصل أمس تمشيط بساتين بلدة بحنين وترددت معلومات عن أنه تمكن من توقيف 4 من المسلحين الفارين بينهم اثنان في منطقة قريبة من زغرتا... كما أشارت المعلومات الى إصابة ضابط لبناني بجروح طفيفة أثناء اشتباك مع المسلحين الفارين.