على رغم سطوة التلفزيون وقدرته على توجيه وعي الناس أفراداً وجماعات، بل ربما أيضاً بسبب ذلك تبدو «المعلومة» مفردة أساسية تتوقف على صدقيتها صدقية هذا الصندوق الساحر. في الماضي كان يقال عن الكلام الذي لا يتمتع بصدقية إنه «كلام جرائد» وهذا التعبير لا يزال على أية حال يستخدم حتى اليوم فهل يمكن أن نقول اليوم على المنوال نفسه، عما يردنا من طريق جهاز الأعاجيب المنزليّ الصغير: كلام تلفزيون؟ ما يدعونا إلى المقارنة والسؤال هو ضبابية المعلومة التي باتت تأتينا عبر التلفزة، بل عدم الوثوق بصحتها في كثير من الأحيان. هنا، بالذات يختلط الواقع والحقيقة بفن العرض التلفزيوني وما يحمله من إثارة، فتكون النتيجة خلق وعي زائف لدى مشاهد يجلس في بيته ويقول لك إذا حاججته: قالها التلفزيون. واضح أن خلطاً يقع في فضائياتنا العربية بين حق كل قناة تلفزيونية في امتلاك الرأي، وحق آخر ملتبس هو «الحق» في بث المعلومة على النحو الذي يناسب توجهاتها وآراءها. هنا، يقع الفارق «الموضوعي» بين الحالين، وهو فارق نراه حدَا فاصلاً بين الحقيقة والتزوير. التلفزيون في أحد تعريفاته صحافة، أو إذا شئنا الدقة أكثر «إعلام»، أي أنه بمنطوق الكلمة ومضمونها وسيلة لإخبار المشاهد وتزويده بالمعلومات أولاً، ثم بالرأي بعد ذلك. أي أن الرأي لا يجوز أن يلعب دوراً عكسياً فيقوم برسم المعلومة على هواه. المعلومة حقيقة يجب أن تكون مطلقة حتى يثبت العكس، بينما الرأي نسبي دائماً وفي الأحوال كلها، وهو يعبّر عادة عمّن يقوله من دون أن يعني ذلك أنه حقيقة قاطعة. نتحدث هنا عن «مرجعية» أية قناة فضائية، ونقصد المرجعية العلمية التي تتعلق بهذه المعلومة أو تلك، والتي لا يجوز بحال أن تكون مرجعية ملتبسة، ضحلة أو غير موثوقة لأنها ببساطة ستتحوَل بعد بثها إلى ما يشبه حقيقة مطلقة في وعي المشاهد الذي سيجد من حقه منذ اللحظة التي تصله أن يحاجج بها، ويستند إليها، ويبني على أساسها قناعات وآراء. لا يتعلق الأمر هنا بنوع واحد من البرامج كالأخبار وبرامج الرأي وحسب، ولكنه يمتد ليشمل كل البرامج بما فيها الدراما، التي تنهض هي الأخرى على الحقيقة ولا يمكنها أن تتأسس على «حقائق» مشكوك بها أو، كما يقال، ليست راسخة. هي معادلة التزاوج الخلاق بين الحقيقة وفن العرض التلفزيوني بكل ما فيه من إثارة وتشويق. نعم للعرض الجمالي بأساليبه وفنونه وتجديده، لكن ذلك لا ينبغي أن يأتي على حساب الحقيقة وأساسها المعلومة الصحيحة.