«سيُقال الكثير في مسلسل عمر»، يقول المخرج حاتم علي في حواره الى «الحياة». بعض الذي سيقال ويُكتب سيَترك أثراً إيجايباً في سياق تقويم العمل الدرامي الضخم الذي يحكي سيرة الفاروق، وما سيقال عكس ذلك لن يضير صاحب «التغريبة الفلسطينية»، بل يزيد من حماسته لسماع الآراء التي لا تتفق معه... لكن تصريحاً غريباً وناشزاً أطلقه «عالم فلكي» سوري في صحيفة محلية يتوقع فيه اغتياله (أي المخرج)، «أثار فيه فضولاً لا يشفى»، كما يقول. اليوم يعرض مسلسل «عمر» عبر فضائيات عربية وغير عربية في الوقت ذاته، بعدما خرجت أصوات تطالب بمنعه، فهل ثبت أن منع مسلسل تلفزيوني عموماً لم يعد ممكناً؟ يرد علي: «لست ميّالاً إلى هذا النوع من الاستنتاجات، فسلطة المنع مازالت موجودة، وهي ذات أذرع طويلة. قدرة المنتج على عرض مسلسله تشكل حالة استثنائية نابعة من أنه هو نفسه مالك قناة العرض. مؤسسة الأزهر مثلاً، استطاعت أن تقوم بذلك، فأحجم بعض المحطات المصرية عن عرض العمل رغم أنه أبدى رغبته في ذلك. على أي حال فكرة المنع لم تعد واقعية، فالفضاء أصبح متاحاً أمام الجميع». وعما إذا كان فشل المعترضين في منعه دفع بهم إلى التقليل من شأنه كخطوة تالية، يقول صاحب «ربيع قرطبة»: «أظن ذلك، وبخاصة أن بعض هذه الأصوات لا يستند إلى حجج موضوعية. بعضهم أخذ يشكك في المعلومات التاريخية والدينية، كتوقيت نزول الآيات، وهذه أخطاء بديهية لا يمكن المسلسل أن يقع فيها، إذ راجعته مجموعة من علماء الدين والتاريخ مشهداً مشهداً. ثمة بالطبع تشويش أحياناً على ديانة الممثل الذي أدى دور عمر، ورغم توضيحي في أكثر من مناسبة بأنه مسلم، إلا أن أصواتاً مازالت تصم أذنيها عن ذلك، علماً أنه لا مشكلة عندي لو كان مسيحياً طالما أنه يجيد تأدية دوره. هذا لا يعني أنه لا توجد آراء تستحق النقاش، ولها علاقة بالمستوى الفني». وعن ظهور مقاربة نقدية للشخصية الرئيسة في المسلسل تدفع إلى تجاوز بعض مشاكله، يقول علي: «هذه أكثر الملاحظات موضوعية، وهي أصلاً مشكلة المسلسل التاريخي العربي القائم على مبدأ قداسة التاريخ. أنا ضد الوصاية على العمل الفني من أي مرجعية خارج حدود التقويم الفني، ولكن لا بد من التذكير أن مقاربة هذه الشخصية تشبه السَّيْر في حقل ألغام. وأعتقد بأن مجرد تجسيد هذه الشخصيات هو إنجاز ثوري كبير غير مسبوق، ولا يمكن نكرانه أو التقليل من شأنه». ويضيف: «تعرَّض العمل بالتأكيد لوصاية أثناء الكتابة، وكما أن الكاتب لم ينج من رقابته الذاتية، لا بد من الاعتراف أنني أيضاً لم أنج منها، وأعتقد بأن فكرة تجسيد هذه الشخصيات كانت تستحق بعض التنازلات، وهذا يدفع لتفهم قيام جهة العرض، بعد تعرضها لضغوطات هائلة، بحذف بعض المشاهد». خرق درامي هل تجلى الخرق الدرامي العربي الأول على هذا الصعيد في دبلجة المسلسل إلى لغات أخرى؟ يقول المخرج: «الخرق الأساسي يكمن بمقاربة هذه الشخصيات التي جاءت في الأعمال السينمائية والتلفزيونية على مقدار عال من التهميش. وأعتقد بأن التهميش الدرامي كان يؤدي منطقياً إلى التهميش التاريخي لأنه يعني إقصاء كل هذه الشخصيات عن ساحة التاريخ بدعوى حمايتها والمحافظة عليها». وعما إذا كان المسلسل كشف عن «استحالة» ما في ترميم الجانب التنويري المهدور عربياً بسبب طبيعة التلفزيون، يقول علي: «كشف المسلسل في شكل رئيس أن الثقافة العربية السائدة مازالت حتى الآن ترفض الصورة، فسيرة عمر وغيره من الصحابة موجودة في الكتب وبوفرة، وبعضها ملتبس وفيه الكثير من الاختلاق، ورغم ذلك لانسمع أصواتا معترضة. أعتقد بأن الخشية والخوف يكمنان في الصورة ذاتها بكل ما تحمله من عناصر تبدو طارئة على الفكر العربي، كالتمثيل والنحت والتصوير والاحتفاء بالجسد الانساني باعتباره موضوعاً لها. حتى يومنا هذا مازال بعض هؤلاء لا يعترف بالفن أصلاً كضرورة إنسانية، وإلا كيف يمكن فهم حجة واهية عن الممثل الذي «لا يمكن له أن يطاول قامة عمر بأخلاقه وأفكاره كي يتجرأ على تجسيد هذه الشخصية». هذا حكم أخلاقي لا علاقة له بالفن، اذ ينبغي أن يكون السؤال هنا: هل يمتلك هذا الممثل موهبة تؤهله للعب شخصية معقدة وغنية ومركبة مثل شخصية عمر؟». وعن أهمية الصورة الممتزجة بالتاريخ ومدى تأثيرها اليوم، يقول علي: «عندما تكون الصورة مقنعة، فإنها بالتأكيد أكثر تأثيراً في وعي المشاهد. وهي الآن التعبير الأكثر شعبية للجنس البشري، فلم يعد عصر الرواية كما كان القرن التاسع عشر، أو عصر الشعر كما كنا في سالف الأزمان. والحديث عن تأثير الصورة وعن عالميتها هو أكثر من بديهي ولا يحتاج إلى شواهد، من هنا عار علينا كعرب ان نظل خارج هذا التأثير». ويشير علي الى ان «المسلسل خطوة ستترك أثرها ولكن لن تحسم الجدال. ستبقى الأصوات المعترضة موجودة، وستبقى رغبة المبدع الدافع إلى مقاربة أماكن لم يصلها من قبل. وأعتقد بأن حسم هذا الأمر ليس بيد صنّاع الأعمال الفنية بالدرجة الأولى، وأدواته لا ينبغي أن تكون فنية، وانما فكرية». وعما إذا كان هناك اجحاف نقدي حين تجري المطابقة بين أعمال سابقة له مع الكاتب وليد سيف وبين مسلسلهما «عمر»، يقول علي: «من المبكر اطلاق أحكام نقدية على عمل لم يُعرض أكثر من نصفه، مع ملاحظة أن الصحافة الفنية السورية تجنبت الحديث عنه لاعتبارات خاصة بها، وأيضاً بسبب أن النقد الفني لم يعد أولوية للصحف أو الجمهور السوري. أما إذا أردنا الحديث عن الصحافة العربية، فهناك اشارات إلى لغة المسلسل الفنية، لكنها تأتي على الهامش، فالقضية الأساسية كما يبدو حتى هذه اللحظات تكمن في فكرة التجسيد».