حديقة وطرق المهد.. ألعاب خطرة وشوارع رديئة    شيخ قبائل المنابهة في عنزة السورية ل«عكاظ»: حمص تجاوزت الفتنة.. ولا عودة ل«حزب الله»    شتاء جازان يجذب السياح والزائرين    فعاليات شتوية    المملكة.. بوصلة العالم    «إسرائيل» تعترض صاروخاً من اليمن    «الراجحي» حقق حلم السنوات ال10    التايكوندو يحتفي بالدوليين    يا علي صحت بالصوت الرفيع!    في الشباك    أمطار الشتاء تنقذ تونس من حالة الطوارئ المائية    مليار و700 مليون وحدة بيانات تصنف المدارس ل4 مستويات    معلم سعودي ضمن الأفضل عالمياً    «عين السيح».. تأسر عشاق التراث    الاكتئاب المبتسم.. القاتل الصامت    الهلال يقترب من ضم موهبة برازيلية جديدة    سيتي يضم مرموش ويجدد لهالاند ويفقد ووكر    إيقاف بياناتك على منصات Meta    "الداخلية" تحصد جائزة أفضل جناح بمؤتمر الحج    ضبط أكثر من 21 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    أكدت على الحقوق الفلسطينية وأشادت بجهود الوسطاء.. المملكة ترحب باتفاق وقف النار في قطاع غزة    المملكة تحتضن معرض التحوّل الصناعي العالمي    الألمعي تعبر عن شخصية جازان    علاقة الاقتصاد بارتفاع الطلاق    تاريخ حي الطريف    تعزيز الفرص الاستثمارية في منظومة خدمات الحج    السديس: لحظة تاريخية استثنائية.. إطلاق أكبر هيكلة تنظيمية برئاسة الشؤون الدينية في الحرمين    الذكاء الاصطناعي يحتال بشخصية براد بيت    تفوق الجراحة الروبوتية في عمليات الكبد    خطر منتجات النظافة الشخصية على الصحة    تناول الشاي الأخضر بانتظام يقي من الخرف    ترمب وبايدن والدولة العميقة !    رون ولي وماتياس    سالم الدوسري يحقق جائزة أفضل رياضي لعام 2024 ضمن جوائز «جوي أوورد»    دور المرأة في قطاع التعدين بالمملكة.. الواقع والطموح    كل أمر حادث هو حالة جديدة    الأمير فيصل بن سلمان يكرم عائلة أمين الريحاني بسيف صنع في السعودية    عميل لا يعلم    ميزات زر قفل iPhone    المملكة توزّع مواد إغاثية متنوعة في سوريا    أحزمة مذنبات بأشكال متنوعة    مُسلّح يغتال قاضيين في طهران وينتحر    تأثيرات صحية لاستخدام الباراسيتامول بانتظام    اقتران بين كوكبي الزهرة وزحل في سماء الحدود الشمالية    الجامعة في القصر    الوحدة الوطنية    جمعية التوعية بأضرار المخدرات تحصد نجاحًا باهرًا في ختام مبادرتي "دن وأكسجين" بجازان    الشيخ الثبيتي: لا تطغوا بعلمكم ولا تغتروا بقوتكم    الشيخ السديس: حصّنوا أنفسكم وأولادكم بالأوْرَاد الشَّرْعِية    تطوير منصة موحدة للنقل في مكة المكرمة    رصد طائر البوم «الفرعوني» في شرق عرعر    ضبط مواطن في عسير لترويجه (5,838) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    براً وبحراً وجواً.. ضبط 2124 حالة ممنوعة خلال أسبوع    الرئاسة العامة تشارك بورشة عمل بعنوان (رقمنة التوعية في أداء المناسك)    خطيب المسجد النبوي: احذروا أن تتحول قوة الشباب من نعمة إلى نقمة ومن بناء إلى هدم    «الخارجية»: نرحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة    «التويجري» ترفع الشكر للقيادة بمناسبة صدور الأمر الملكي بتشكيل مجلس هيئة حقوق الإنسان في دورته الخامسة    إطلاق كائنات فطرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين شرعيتين وشبح نزاع أهلي
نشر في الحياة يوم 07 - 07 - 2013

خلال أيام معدودة انعطفت مصر انعطافة كبرى قد يتطلب حصولها سنوات طويلة في سياقات أخرى. وها نحن نلهث، والعالم أيضاً، على إيقاع تاريخها المتسارع. ولا نعلم بعد إذا كان تسارع الإيقاع تعبيراً عن استعجال الخلاص أو بداية الرقص على حافة الهاوية. هل نحن حيال ثورة في الثورة؟ هل هي ثورة مضادة؟ هل ما حصل انقلاب عسكري من طراز خاص، ما دام تدخل الجيش لم يأتِ خلسة من الغرف السوداء بل سبقه توجيه إنذار أمهل الرئيس مرسي يومين لاستجابة مطالب الشعب المحتشد بالملايين في ميدان التحرير وغيره؟ ولكن كيف نَصِف الإطاحة برئيس منتخب بعد سنة واحدة على ولايته؟ هل ما جرى تصحيح لمسار مفترض للثورة التي أسقطت مبارك، أم أننا أمام نزاع حول مفهومين للشرعية، أحدهما يحمله في الشارع وبنبرة شعبية هادرة ائتلاف قوى موقت، يحمل في تشكله الظرفي عناصر مواجهات تنذر بتحويل حاضر المصريين إلى متاهة؟ أما الثاني فيلخص الشرعية ويختزلها بقانونية الانتخابات وما أسفرت عنه صناديق الاقتراع، كما يستفاد من خطاب مرسي الأخير، وترديده عشرات المرات تمثيله للشرعية الدستورية. هل تكون هبة النيل في هذه الحالة قيد الدخول في حال من الثورة الدائمة؟
هذا غيض من فيض أسئلة مقلقة أطلقتها وقائع الحدث المصري المتسارع في الأيام الأخيرة، والمرشح لديمومة قد لا تخلو من مفاجآت. سيسيل حبر كثير وستلهج الألسنة بشتى الاحتمالات والعواطف والأهواء. سنخوض في ذلك وسط قلق وخوف كبيرين وحبس للأنفاس.
ليس عزل الرئيس المصري على يد القوات المسلحة هو ما يحبس أنفاس كثيرين، ويعيد خلط الأوراق ورسم خريطة اصطفافات، ليس على المستوى الوطني وحده، بل كذلك على المستويين الإقليمي والدولي. فهذا العزل ومعه تعطيل الدستور موقتاً وتكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور قيادة البلاد في المرحلة الانتقالية والتحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، كل هذا يحتمل أن يكون عملاً إجرائياً، ما دام ملايين المحتشدين رحبوا وابتهجوا به. ما يحبس الأنفاس أن شبح مواجهة قاسية بدأ يحوم وبسرعة قياسية حول المشهد المصري، وقد تتخذ هذه المواجهة، في حدها الأدنى، شكل نزاع حاد وعنيف، وشكل حرب أهلية في حدها الأقصى.
ليس أمراً بسيطاً أن يحوم شبح حرب أهلية في بلد مثل مصر، تبدو فيه الهوية الوطنية راسخة وتقاليد الدولة المركزية عريقة ونمط الاجتماع يعرف درجة عالية من التجانس مقارنة بالانقسامات العمودية وغلبة منطق العصبيات الضيقة الطائفية والمذهبية في معظم بلدان المشرق. مثل هذا الاحتمال المشؤوم سيعني الكثير بما في ذلك معنى الحرب الأهلية ومفهومها. وكانت الحرب الأهلية اللبنانية رسّخت في الأذهان القريبة والبعيدة صورة واحدة عنها، هي صورة تطاحن عصبيات طائفية تزج بأهلها، أحبوا ذلك أم كرهوه، في حرب الكل الأهلي ضد الكل الآخر لتحقيق غلبة عارية، أي بلا صفة سياسية بالمعنى النبيل للكلمة. وقد يكون هذا التوصيف للحرب الأهلية اللبنانية إنجازها الوحيد. وهذا مثلاً ما يحمل طرفي النزاع في سورية على رفض هذه التسمية لنزع شبهة الطائفية أو ما يعادلها عن هوية الصراع ورهاناته.
حفل المشهد المصري الهادر، منذ تظاهرة 30 يونيو (حزيران) على الأقل، وقبل تنحية مرسي ووضعه في الإقامة الجبرية في وزارة الدفاع واعتقال عدد من قادة «الإخوان»، بمؤشرات إلى إمكانية أن يتطور الانقسام إلى نزاع أهلي مفتوح. فخلال أيام قليلة سقط حوالى خمسين قتيلاً ومئات الجرحى في صدامات بين معارضي مرسي ومؤيديه. ترافق ذلك ليس فحسب مع تصريحات وأشكال تعبئة تحض على المواجهة، بل كذلك مع حرب أرقام ينشد فيها طرفا المواجهة حيازة الأكثرية الشعبية وشرعية تمثيلها.
لكن المؤشر الأكبر هو انتظام التظاهرة الشعبية الضخمة المعارضة لمرسي في ميدان التحرير، تحت راية مرفوعة تعلن القطيعة مع نمط وأسلوب في الحكم يجسده مرسي وتنظيم «الإخوان». واستندت هذه الدعوة إلى تنحية مرسي على تشخيص غير خاطئ لأداء الرئيس المنتخب وأخطائه الفادحة. فقد ظهر خلال سنة ان مشروع مرسي وحزبه ليس إدارة بلد متنوع ومتعدد بمقتضى تفويض عقدي ترجمته صناديق الاقتراع، بل السيطرة على مفاصل الدولة ووضع اليد عليها. ولم يكن صعباً اعتبار ذلك احتيالاً على الإرادة الشعبية وعلى كتلة واسعة من الناخبين، فضلت مرسي لأنه أقل خطراً وسوءاً من مرشح النظام السابق أحمد شفيق. الشرعية القانونية المتأتية من الانتخابات ليست الصيغة النهائية لمفهوم الشرعية ولا غايته، خصوصاً في لحظة انتقال صعبة ومعقّدة تتصارع فيها مفاهيم مختلفة عن الشرعية وركائزها. فلنترك للحقوقيين وأهل الاختصاص أن يتفحصوا أي شرعية من الشرعيتين المتنازعتين تتطابق معيارياً مع المنظومة الحقوقية المثالية. ما يعنينا هو حقل الصراع ذاته، وما تعنيه فكرة الحق والشرعية لدى فئات اجتماعية متباينة وكيف تتمثلهما وما هي الرهانات المعقودة عليها.
الدولة ليست غنيمة، خصوصاً حين يكون الوصول إلى إدارتها عبر انتخابات وليس بالحرب. هذا هو جوهر الاعتراض الواسع والشرعي على حكم مرسي و «الإخوان» من خلفه، بالأحرى من أمامه ما دام كثيرون يرون أن مكتب الإرشاد هو الذي يدير فعلياً البلد والدولة، ويتحكم بالتعيينات وتوزيع الحصص والمسؤوليات. وهذا بالضبط ما يمكن أن يدفع «الإخوان» إلى اعتبار شرعيتهم مطلقة واعتبار كفّ يدهم انقلاباً واغتصاباً لسلطة حصلوا عليها بعد انتظار مديد.
لا نعلم ما ستؤول إليه التظاهرة التي دعا إليها «الإخوان» للدفاع سلمياً عن شرعية مرسي، ولكن يمكننا أن نتوقع انزلاق فريق منهم نحو جذرية عنيفة. ثمة في المقابل ما يشي بإمكانية استيعاب الصدمة ومناخات الصدام. فخط الانقسام لا يفصل بين إسلاميين وعلمانيين، بل يقتصر على عزل «الإخوان»، وجيد أن ترفض جبهة الإنقاذ والقوى الأخرى استبعاد الإسلاميين من الحياة السياسية. لا حاجة للمقارنة بنماذج جاهزة مثل الجزائر وتركيا، فمصر لا تشبه إلا نفسها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.