متى تنتهي العقدة السورية؟ ومن يملك القدرة على فك خيوطها العنكبوتية؟ الإجابة البسيطة النظرية هي باستئصال العقدة الأساس من جذورها. وهذه الإجابة تقود مباشرة إلى العديد من التساؤلات المخيفة، ومن يملك إعادة ترتيبها واحتوائها في إطار سياسي معين يقوم على المفاهيم المتعارف عليها، والتي لم تعد صالحة للحالة السورية. استئصال العقدة من جذورها يعنى استئصال الحكم القائم، واستبداله بنظام حكم جديد. وهنا تبرز العقدة في صورة جديدة، ومن يحكم؟ المعارضة ضعيفة ومنقسمة وتغلب عليها البنية الإسلامية المتشددة، ومعنى ذلك إن الحل يكمن في استبدال عقدة حكم بعقدة حكم جديدة، وهذا يعني استمرار هذه العقدة إلى أن تختفي الدولة السورية ونصبح أمام نموذج جديد لتفتيت الدولة السورية، وتحولها إلى دويلات طائفية مذهبية تحمل بذور الصراع في قلبها، وتذكرنا بالدويلات الإيطالية والألمانية وبفرنسا، إلى أن يظهر قائد جديد بحجم بسمارك أو ديغول يستطيع أن يوحدها من جديد. وهذا السيناريو قد لا يتحقق في زمن غياب القيادات العربية الكارزمية. والسؤال متى تنتهى الأزمة السورية ويحيا ما تبقى من الشعب السوري الذي يدفع ثمن أزمة ستؤول ثمارها إلى غيره، هو السؤال نفسه المطروح منذ أن اندلعت الأزمة في أيامها الأولى إلى أن كبرت ووصلت إلى حد العقدة المركبة التي يصعب فكها من دون تدخل أيد كثيرة. ولو تتبعنا تطورها سنجد العوامل نفسها لم تتبدل، في الوقت الذي يبدو فيه أن معظم العوامل المفسرة منذ البداية بدأ يميل نحو إطالة عمر النظام. وهذه العوامل هي أربعة لمعرفة مستقبل الدولة السورية. العامل الأول يتركز في قوة الجيش وولائه للنظام، فالجيش بنيته طائفية، وهذا ما حرص عليه الرئيس حافظ الأسد الذي فرغ أولاده لهذه المؤسسة، وعلى رغم الخسائر التي لحقت به لكنه ما زال الأقوى، ولديه قدرة على تجديد أسلحته التي يخسرها من إيران وروسيا، إضافة إلى أن أعداداً كبيرة من الميليشيات الإيرانية والعراقية و«حزب الله» تحارب إلى جانب الجيش فيما تبدو قوة المعارضة السورية مبعثرة وضعيفة، ولا تملك مصادر تمويل عسكري فاعلة. العامل الثاني هو امتداد لضعف المعارضة العسكرية، وهو المتعلق بالضعف السياسي، وغياب الرؤية السياسية الواحدة لما بعد الأسد، وكيفية الحكم والتعامل مع المواطن السوري الجديد، وسيطرة القوى السياسية الإسلامية المتشددة، وسعي «الأخوان المسلمين» إلى الحكم، وعدم القدرة على تشكيل حكومة توافقية مجسدة لآمال الشعب السوري، وانقسامها أيضاً بين الداخل والخارج، وقد يغلب عليها الطابع المذهبي والطائفي أيضاً. أما العامل الثالث، وهو الأكثر تفسيراً للحالة السورية المعقدة، فهو نموذج معقد من حيث دور الأطراف والقوى الإقليمية التي لها مصلحة مباشرة في ما يدور الآن، وبمستقبل سورية، وهذا الصراع الإقليمي والدولي الذي تجسده الحالة السورية قد يعيد إلى الأذهان التنافس بين القوى العظمى في زمن الحرب الباردة. وتنقسم هذه القوى إلى قوتين غير متناسقتين، بل متنافرتين، لا تلتقيان في مصالحهما، ولا يبدو أن هناك دائرة مشتركة يمكن أن تلتقي عندها مصالح هذه الدول، كل طرف يريد سورية له. لكن المفارقة في هذا الوضع الدولي، هي ضعف التدخل العسكري، والموقف السياسي المتأرجح والضعيف والذي يجسده الموقف الأميركي والأوروبي، وموقف بعض الدول العربية، فهذه القوى تريد للأسد إن يذهب، لكن كيف؟ وبآي آلية؟ فهذا غائب، حتى أن موقف هذه الدول ضعيف سواء بالنسبة إلى تسليح المعارضة، أم تقديم الدعم المالي للاجئين السوريين، وأصبح موقف هذه القوى أكثر اهتماماً بالبعد الإنساني منه بالسياسي، وما حدث في القصير، وتدخل قوات «حزب الله» بشكل واضح وعلني يشكل مدعاة خجل لموقف هذه الدول. وفي المقابل القوى التي تقف مع النظام هدفها واضح ببقاء الأسد ونظامه، وهي تقدم له كل المساعدات المالية والعسكرية والبشرية، بل إن الدور الإيراني ودور «حزب الله» باتا يشكلان متغيراً جديداً يزيد من تعقيدات الأزمة. أما الموقف الروسي، خصوصاً في مجلس الأمن، فيمثل حماية للنظام من أي عقوبات دولية. وتبقى إسرائيل التي تنتظر انهيار منظومة الدولة بكاملها. وأخيراً أيضاً ضعف العقوبات الاقتصادية التي تفرض على النظام لقدرته على التكيف معها، ودور الدول الأخرى بمده بكل أشكال المساعدات الاقتصادية والمالية والنفطية عبر حدوده التي تتحكم بقسم منها قوات «حزب الله»، والمليشيات التابعة لرئيس الحكومة العراقية نوري المالكي. هذه العوامل ما زالت قائمة، بل إنها تعمل لمصلحة النظام. ويبقى القول إن النموذج السوري، وما قد يؤول إليه الحل السياسي سيكون نموذجاً للحالة العربية برمتها، وستترتب عليه إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة. ومن دون أن يكون هناك دور عربي مؤثر، فستكون الدول العربية أول من يدفع ثمن الحل السياسي. ولعل أكبر الأثمان السياسية سيكون القضية الفلسطينية!