الزمان: يومان فقط قبل بدء شهر رمضان. المعتقلون في غوانتانامو يصومون ودورة الحياة في المعسكرات تتغير بطبيعة الحال. المطبخ أول المتأثرين بالدوام الجديد. فالوجبات التي تقدم عادة 3 مرات في اليوم تقلب ساعتها لتناسب مواقيت الإفطار والسحور كما يتم التركيز فيها على الإضافات ال «ثقافية» كالتمر مثلاً. كبيرة الطباخين سيدة آسيوية تدعى سام سكوت، تتجول في أرجاء مطبخها الضخم مثل قائدة عمليات فعلية. استهلت جولتها بإعطاء الإرشادات من وجوب اعتمار قبعة بيضاء لدى دخول المكان حفاظاً على النظافة، وعدم إزعاج أحد من «موظفيها» سواء بالحديث أو بالتصوير، مع إمكانية تذوق اي صنف من المعجنات والخبز الساخن أو قطع الحلوى وحتى الوجبات. وتنصح سام بشدة ب «تذوق حلوى لذيذة محشوة بالجوز تسمى بقلاوة». وفي المطبخ الذي يخدم المعتقلين والجنود على السواء، طواقم عمل «من دول ثالثة» كما يطلق عليهم أي مهاجرون يتعاقدون للعمل في مرافق القاعدة العسكرية من غير الأميركيين. الغالبية هنا آسيويون طوعوا خبراتهم في مزج «الحلو والمر» لتتناسب مع الذائقة المتوسطية. وتقول سام إن البداية كانت صعبة، فالأطباق المعدة لم تعجب المعتقلين ولم يكملوها لأنها غريبة عنهم لكن مع الوقت أدخلت تعديلات على المكونات والبهارات والخضار لتتناسب مع «ثقافة المعتقلين وغالبيتهم من الشرق الأوسط». وتشرح سام إنها تستوحي بعض وصفاتها من الانترنت ومن كتب خاصة بالمطبخ الشرقي لذا باتت تعرف كيف تعد البقلاوة والخبز بالزبيب واليخنات التي تعتمد على البصل والطماطم بشكل خاص. ومروحة الوجبات الرئيسية واسعة جداً، منها العادي والخاص بالحمية، والحمية الخفيفة، والنباتي والغني بالألياف، ووجبات السمك وغيرها. وتقدم كل وجبة ساخنة إلى جانب نوع من السلطة وقطع الخبز ونوعين من المشروبات الغازية، وعلبتين من اللبن بنكهات الفواكه وحلويات ونوع من الفواكه غالباً ما يكون الموز. وفي تذكير دائم بأن «المعتقلين لا يجوعون» كما يشاع، يردد كثيرون بينهم سام إن السعرات الحرارية التي يتلقاها المعتقل يومياً تتراوح بين 4 الآف و5 الآف سعرة حرارية موزعة على 3 وجبات. لكن عملياً أي استشارة بسيطة لخبير تغذية تظهر بأن هذه الكمية فائضة عن الحاجة ومضرة بالصحة خصوصاً لأشخاص حركتهم قليلة. ولا تعرف سام كيف يوزع الطعام على المعتقلين. فمهمتها هي وفريقها تنتهي عند إعداده وتوضيبه. أما من «يقاصص» بحرمانه من حصة غذائية أو من صنف يحبه فليس شأنها. و«ثقافة المعتقلين» مصطلح يتردد دائماً على مسامعك في غوانتانامو، بدءاً بتفاصيل صغيرة كالطعام وصولاً إلى المعتقدات والأيديولوجيا. ويترافق استعمال هذا المصطلح غالباً مع تعابير تلفظ بالعربية عن قصد وجهد واضحين كالقول إن اللحوم المستعملة «حلال» اي أنها مذبوحة بحسب «الشريعة» الإسلامية، وأن «رمضان» شهر يمتنع خلاله المسلمون عن الطعام نهاراً ويأكلون ليلاً. وأنه أيضاً من «ثقافة المعتقلين» وتقاليدهم استعمال «المسواك» وشرب الشاي وأنهم يصلون بحسب وجهة «الكعبة». ويسترسل الجنود والحراس في ارفاق شرح صغير بكل كلمة عربية يلفظونها للدلالة على أنهم يقطعون حاجزاً إنسانياً مع هؤلاء الذين خلف القضبان. ويشكل الطعام وسيلة ضغط متبادلة. فإذا كان الحرمان من الحلويات وغيرها طريقة لمعاقبة معتقل ما، فإنها بدورها سبيل معتقل آخر «متعاون» لابتزاز الحرس. لذا ينصح «المستشار الثقافي» الجنود والحراس باعتماد مبدأ اساسي في التعامل مع المعتقلين: لا تحبوهم ولا تكرهوهم. قوموا بواجبكم فقط. واستحدث منصب «المستشار الثقافي» في العام 2005 لتعريف الحراس والفرق العسكرية التي ترسل إلى معتقل غوانتانامو على «ديانة المعتقلين وثقافة بلدانهم». ومنذ ذلك الوقت يشغل هذا المنصب متعاقد مدني من أصل أردني طلب مناداته ب «زاك». ويقول «كلما وصلت دفعة جديدة من الجنود نقيم دورة تدريبية لتوضيح بعض الأمور وتعليمهم مبادئ ثقافية أساسية عن الدين الإسلامي والعادات والتقاليد». ويضيف: «مثلاً هناك بعض إشارات الايدي أو الكلمات التي تعطي معنى معكوساً ويساء فهمها فتؤخذ كإهانة بالتالي تجعل المعتقل غير متجاوب». لذا ينصح «زاك» المنضمين حديثاً لعمليات الاعتقال في غوانتانامو ب «الالتزام حرفياً بالتوجيهات من دون أي عاطفة سلبية كانت أو إيجابية. فالمعتقلون أذكياء ويمكنهم أن يتلاعبوا بالحراس فيبالغون بطلباتهم. وإذا أحبهم هؤلاء فلن يرفضوا». ويقول «على رغم أنهم من جنسيات مختلفة وبيئات مختلفة لكن ثمة قاسم مشترك بينهم هو الدين وهذا يسهل مهمة التعامل معهم كمجموعة. فهناك الشيشان ي والعربي والافريقي وثمة فوارق كبيرة حتى بين العرب أنفسهم بين خليجي ومشرقي مثلاً لكننا لا نخوض كثيراً في هذه التفاصيل نظراً إلى أن هويتهم الجامعة هي الدين». وفي هذا الوقت من العام كان زاك يستعد لدورة تثقيفية حول شهر رمضان ومعاني هذه الفترة بالنسبة للمسلم. ويمضي «زاك» بعض الوقت مع المعتقلين ويتحدث معهم وينقل شكواهم الى إدراة السجن. «بعضهم يتخذ موقفاً سلبياً مني لكوني عربي ومسلم وأعمل مع الاميركيين، لكن مع الوقت نشأت بيننا ثقة وهم على يقين أن صوتهم يصل للإدارة عبري». وهذه ليست المرة الأولى التي يعمل فيها «زاك» في معتقل أميركي. فقبلها عمل في العراق بين العامين 2003 و2005 ثم عاد إلى الولاياتالمتحدة حيث كان يعيش منذ أكثر من 25 عاماً. وعن اختياره لوجهة صعبة مثل الخليج الكوبي وعمل يحمل الكثير من الأحكام المسبقة يقول «الشركة التي تعاقدت معها كمترجم اتصلت بي وقالت إن هناك وظيفة شاغرة في معتقل غوانتانامو. ترددت في البداية ثم قلت إنه ليس لدي فرصة أفضل والهدف منها ليس كما يبدو، إنه هدف نبيل. فأنا هنا أقرّب وجهات النظر وهذا شيء جيد». ولا يرى الرجل الأربعيني أي حرج في وظيفته أو مكان سكنه، كما أنه لا يقلق على مصير أبنائه الذين ولد ثالثهم منذ أشهر قليلة. ويقول «يذهب ابنائي الى مدارس تابعة لوزارة الدفاع، كغيرهم من ابناء المتعاقدين المدنيين، ولديهم نشاطات ترفيهية كثيرة من رياضة وموسيقى وغيرها». وبابتسامة صغيرة أضاف «مولودي الجديد يحمل سجل قيد يفيد أن مكان الولادة هو غوانتانامو. هذا لا يزعجني ابداً». ويضطلع «زاك» أيضاً بمهمة الإشراف على المكتبة ومحتوياتها وقراءة الكتب والمجلات قبل تحويلها للمعتقلين. ليس اشرافاً إدارياً بقدرما هو إشراف استشاري حول ما يجب قراءته وما لا يجب قراءته. فالصحف اليومية الثلاث التي تصل إلى المعتقل وهي «يو إس آي توداي» الاميركية و «الأهرام» المصرية و «الشرق الاوسط» السعودية، تخضع لحذف أخبار أو صور، يعتبرها زاك «مزعجة لمعنويات المعتقلين». مثلاً فإن أخبار المواجهات الامنية مع الحوثيين في اليمن، صنفت على أنها «مزعجة» بالتالي حذفت قبل تحويلها الى المكتبة. والمكتبة مبنى قائم بذاته أنشأت في العام 2005 وتحوي أكثر من 13 الف و500 كتاب ب 22 لغة. القسم الأكبر هو القسم العربي حيث اصطفت على الرفوف كتب دينية وكتب قواعد ولغة وروايات وترجمات كثيرة. وتقول مسؤولة المكتبة ذات الاصول اللاتينية التي فضلت عدم الكشف عن اسمها إن «هذه المكتبة لا تستقبل زبائنها وإنما تذهب هي إليهم»، بمعنى أن المعتقلين يكتبون طلباتهم على نماذج محددة ثم تحضر الكتب والمجلات على أساسها، وهي في الغالب تبرعات من محامي الدفاع عن المعتقلين. ولكن قبل تحويل الكتب إلى المعتقل تطلع عليها لجنة عسكرية إضافة الى «زاك». وأكثر الكتب انتشاراً على الرفوف بنسخات عديدة وطبعات متنوعة «صحيح مسلم» و«صحيح البخاري» و«معجم قبائل العرب» و«قصص الأنبياء» و«البداية والنهاية» لابن كثير. ومع اقتراب شهر رمضان تكثر الطلبات على المطبوعات الدينية ونشرات قناة «إقرأ» حيث مطالعات الإعلام العربي وكتاب «لا تحزن» للداعية السعودي عائض القرني. لكن اللافت أيضاً وجود روايات لأحلام مستغانمي وبعض دواوين الشعر وترجمات لجان بول سارتر وتولستوي وجون اليوت. ومع فوز الرئيس الاميركي باراك اوباما بالانتخابات، ارتفع الاقبال كثيراً على كتابه «أحلام والدي» على رغم أنه لم يترجم بعد. «هم مهتمون جداً بالرئيس الجديد ليس فقط لأنه أعلن اغلاق المكان ولكن لأن له أصول افريقية ومسلمة» تقول المسؤولة. أما أكثر الكتب قراءة ومشاهدة على الأقراص المدمجة ف «هاري بوتر» بكل أجزائه يليه «دون كيشوت». وتضيف «الإقبال على هاري بوتر منقطع النظير. كل يوم لدينا طلبات جديدة». أما الجديد في المكتبة الذي لا يلقى رواجاً و «لا أحد يريد أن يقرأه» فهو «مبادئ الديموقراطية». وعلى ما يبدو زوّدت المكتبة حديثاً بكتب عن الديموقراطية وحقوق الانسان وأخرى تقارب السياسة والتاريخ شرط ألا تكون حديثة ومرتبطة بأحداث آنية. لكنها لا تلقى قبولاً بين المعتقلين. وكما هي الحال مع الكتب، فإن المجلات والافلام التي تتضمن مشاهد عنف وجنس ممنوعة كليا ما عدا مغامرات جاكي شانً. علماً أن المجلات الرياضية ومجلات «الخيول» هي الأكثر طلباً، أيضاً «لأسباب «ثقافية» كما توضح المشرفة. وللأسباب «الثقافية» نفسها، يمكن للمعتقل أن يرفض معاينة طبيبة له في المستشفى ويطلب بدلاً منها طبيباً رجلاً إذا كان هناك مناوبين ذكور. الاستجابة المبالغة أحياناً لتلك النزوات تبدو غير واقعية في مستشفى وحده قسم الترجمة فيه يضم 17 موظف. أما القسم الطبي فيتسع ل 17 سريراً و5 غرف عناية فائقة، وصالة عمليات مجهزة حديثاً وغرفة أشعة وصيدلية ومختبر تجرى فيه فحوصات دورية. وتشرح كبيرة الممرضين ان المكان يخضع حالياً لتوسيع ليضم قسماً للطب النفسي و30 سريراً بدلاً من 17، نظراً لامكانية تحويل معتقلين من معسكرات أخرى اليه. وتشرح «هذا النمط من المستشفيات موجود في كل معسكر بأحجام متفاوتة، والمعدات المستخدمة هنا هي نفسها التي تستخدم في العراق ويستفيد منها المعتقلون والجنود على حد سواء». وتضيف «لا يقترب الطاقم الطبي من مريض إلا بوجود 2 من الحرس معه وبعد التأكد أن كل شيء تحت السيطرة». وعن أكثر الحالات التي تنقل الى المستشفى قالت إنها مرتبطة بالرياضة كالكسور الطفيفة في الكاحل أو الأصابع إضافة الى بعض حالات القرحة المعوية. وخلال التجول في تلك الأقسام «المترفة» من المعتقل قد يخيل للزائر أن المعضلة الوحيدة في غوانتانامو هي «فجوة ثقافية» يمكن ردمها أو على الأقل تقليصها بالاستشارات والكتب وحبات التمر المجفف. فحتى صلاة الجماعة بات يسمح للمعتقلين بتأديتها فجراً مرتين في الاسبوع خارج زنزانات المعسكر 4 حيث يودع «المتجاوبون». وهذا جزء أساسي من التحسينات التي طرأت على المعتقل ويوميات سكانه، لكنها تبقى مسألة تحمل من الإدعاء ما يفوق القدرة على استيعابها. ذاك ان المعضلة الأساسية لهؤلاء المعتقلين ليست في صلاة جماعية، على أهميتها، وإنما في بقائهم في الأسر إلى أجل غير مسمى من دون إطلاعهم على تهمهم. ومن تلك الإدعاءات المبالغة، مسألة التعامل مع المضربين عن الطعام البالغ عددهم نحو 19 شخصاً بحسب مصادر غير رسمية. أما المصادر العسكرية فتتكتم عن ذكر عددهم الفعلي وتكتفي بالقول إنهم موجودون. ويعتبر الجيش أن الامتناع عن الطعام مثل الانتحار، مجرد تقنية التفافية مذكورة في «وثيقة مانشستر» التي يفسرون من خلالها كل تصرفات المعتقلين. والهدف حتى من الانتحار، إيصال صوتهم للرأي العام وممارسة الضغوط لإغلاق المعتقل. ومن المتناقضات التي يستعصي فهمها على الزائر، أن يختار المضرب عن الطعام بنفسه نكهة المواد التي سيحقن بها عبر أنفه. وتتراوح النكهات بين الفانيلا والفراولة والشوكولا وغيرها. السؤال البديهي الذي يطرح انه إذا اختار شخص التوقف عن الطعام أصلاً فلم يختار نكهات ستمر بأنبوب عبر أنفه؟ تقول الممرضة المسؤولة إن الشخص يمكنه الشعور ببقايا النكهة في وقت لاحق بعد إزالة الانبوب، مشيرة إلى أنها «وسيلة تستخدم في المستشفيات الأميركية للتعامل مع المضربين عن الطعام، وليست حكراً على معتقلي غوانتانامو«. ذلك رد غير مباشر على تقنية يعتبرها محامو الدفاع نوعاً من «التعذيب» وعدم احترام قرار المعتقل بالإضراب. ويقول المحامي دايفد لاين من شركة «كيلمر، لاين ونيومن» إن أحد موكليه الخمسة اليمني سهيل أنعم أضرب عن الطعام مدة 15 شهراً وأجبر على تناول وجبات قسرية بطريقة عنيفة جداً. ويروي المحامي نقلاً عن موكله إنه كان يوضع في وضعية الاستلقاء ويربط ذراعاه ورجلاه بالسرير فيما يدخل الطعام من فمه بالقوة وكلما تقيأ أعادوا العملية نفسها مراراً حتى تخور قواه. ويتبادل المحامون والجيش التهم إذ يرى الأخير أن بعض المحامين يبالغ في نقل الصور عن المعتقل، وأنه لو كان فعلاً مكاناً لسوء المعاملة لما سمح لهم ولافراد الصليب الاحمر الدولي والصحافة بالزيارة اصلاً. أما المحامون المتطوعون في غالبيتهم، فيشتكون من أنهم لا يلتقون بموكليهم بالقدر الكافي وأن إجراءات زيارتهم معقدة جداً وتستغرق وقتاً طويلاً. ويتوكل لاين عن خمسة يمنيين هم سهيل أنعم من تعز ومصعب المضوني من الحديدة وجلال بن عوض من المكلا وسعد العزاني من تعز، وعبد الرحمن القياطي الذي يحتسب مع اليمنيين ولكنه سعودي. ويوضح لاين «القياطي مواطن سعودي. ولد ونشأ في جدة ولم يزر اليمن في حياته. وهو مسرّح بانتظار الافراج عنه ويمكن نقله مباشرة إلى برنامج التأهيل في بلاده. لكن ربطوا مصيره بمصير المينيين وهو قابع هنا بانتظار المئة الآخرين!». ويروي لاين نقلاً عن موكليه أنه بعد اتخاذ قرار إقفال المعتقل بدأت الحيرة لأنه خلال الاشهر السبعة الماضية لم يحدث شيء عملياً». وأضاف « اشتد الضغط النفسي الذي مارسه حراس غاضبون من اعتبار مهمتهم خطأ سياسياً. فبعضهم مقتنع جداً بمبادئ الإدارة السابقة وغضب كثيراً لوصف هذا المكان بالغلطة الجسيمة فصبوا غضبهم على المعتقلين». رواية أخرى لا يمكن التأكد منها لكن المحامي يعطي مثلاً عن انتحار معتقل يمني في حزيران (يونيو) 2009، وهو أيضاً «تفصيل» لا تذكره المصادر العسكرية بدقة. وقال لاين «زعموا إنه انتحر بأن ربط الشرشف حول عنقه لأنه يعاني خللاً نفسياً. لكن المعتقل كان تحت حراسة مشددة وتحت كاميرات مراقبة 24 على 24. فكيف حصل ذلك؟». وأوضح لاين إن البعض ينقل إلى قسم الأمراض العقلية في المستشفى ليحقن بمواد مخدرة ومهدئات ثم «يدفع» للانتحار لئلا يدلي بشهادات لاحقة تضر بالمسؤولين خصوصاً مع كلام متزايد في واشنطن عن إحالتهم للقضاء. «وإلا كيف يمكن تفسير انتحار شخص بعد إعلان إغلاق المعتقل وهو لا يغيب عن نظر الحرس؟» يتساءل لاين مشككاً بكل الروايات الرسمية. وقال «من يدعي أن لا تعذيب هنا كاذب! نحن نعرف أن المهمة عادة توكل لأجهزة أجنبية، فمصعب مثلاً أودع في أحد الجحور السوداء في باكستان وبقي نحو أربعين يوماً معلقاً من يد واحدة يتلقى الضرب، ثم نقل الى باغرام وبعدها الى هنا. سهيل قال إن التعذيب الآن صار معنوياً ونفسياً أكثر منه جسدي، لكن لا تزال فرق «قوة الاستجابة السريعة» تعمل. فكيف سيفسرون ذلك؟». p style="text-align: right;" و«قوة الاستجابة السريعة» (Immediate Response Force) التي تحولت الاحرف الأولى من كلماتها مصطلحاً بحد ذاته كأن يقال irfing»« هي وحدة خاصة من الحراس الضخمين والمدربين جيداً يرتدون بزات سود ويغطون وجوههم، يتدخلون سريعاً مع المعتقل المشاغب او غير «المتجاوب». تأتي هذه القوة المؤلفة من 5 أو 6 رجال تنهال ضرباً قاسياً وسريعاً على المعتقل وترحل. ينقل بعدها الى المستشفى للمعالجة. هذه قصص يرددها المحامون والناشطون في الدفاع عن الحريات في أميركا. لكن، مرة أخرى لا سبيل لإثباتها أو نفيها بل تبقى أسئلة معلقة كغيرها من الروايات التي ترشح من تلك الجدران. غداً حلقة ثالثة وأخيرة مدير العمليات العقيد بروس فارغو: المعتقلون ربحوا المعركة الإعلامية... وكل ما نحتاجه طائرة!