وزارة التعليم العالي، وفي قرار مفاجئ أصدرته الأسبوع الماضي بمنع الوافدين والطلبة غير السعوديين من حق الانتساب في الجامعات السعودية، مثل هذا القرار فاجأ مديري الجامعات السعودية الحكومية أنفسهم، ما يدل على أن الوزارة لم تناقش مثل هذا القرار مع أصحاب الشأن وهم الأكثر دراية في أحقية منع أو السماح للوافدين بأحقية الدراسة عن طريق الانتساب في برامجهم الدراسية، فقبول الوافدين في برامج الانتساب يقدم إضافة ثقافية في أي جامعة في العالم، فكلنا له تجربة دراسية سواء في الجامعات السعودية أو في خارج المملكة، والتنوع الطلابي واختلاف ثقافتهم هو في النهاية يزيد العملية التعليمية والأكاديمية أبعاداً مهمة. نعم الدراسة بالانتساب قد لا يكون الوجود في القاعات الدراسية شرطاً للانخراط في مثل هذه البرامج، ولكن وجود هذه البرامج قد يفتح أبواباً للفرص التعليمية لمن لم يكملوا دراستهم الجامعية لأسباب عدة، إضافة إلى أن الوافدين الذين حرمهم هذا القرار من الانتساب في جامعاتنا الحكومية يدفعون رسوماً دراسية ليست بالقليلة، التي لو طورت آلياتها لأصبحت توفر مداخيل مهمة للجامعات الحكومية، فكلنا يعرف أن دول العالم ترسل وفودها التعليمية وتفتح لها مكاتب في كل دول العالم لجذب الطلاب الأجانب للدراسة في جامعاتها، كما هي الحال في بريطانيا وأميركا والهند وغيرها من الدول، التي تؤمن بأهمية جذب الاستثمارات في التعليم إلى دولها عن طريق تقديم الفرص والمعلومات عن جامعاتها في الدول الأخرى، نحن نعكس المعادلة، فهؤلاء الطلبة الوافدون هم في غالبيتهم من الأشقاء العرب الذين يعملون أو يعيشون معنا في بلادنا لفترات طويلة، فمن الظلم أن نمنعهم من الدراسة عن طريق الانتساب في جامعاتنا، لأن دراستهم في جامعاتنا تخلق نوعاً من العلاقة النفسية والانتماء للبلد الذي درس فيه الطالب في أي مكان من العالم، فلماذا نحن ندفع الآخرين، ومن هم بيننا، لحمل شعور سلبي لبلدنا ومجتمعنا، خصوصاً أننا دولة تحمل هموم العالمين العربي والإسلامي في سياساتها فنأتي بمثل هذه القرارات التي قد تخلق تناقضاً لا يفهمه الآخر وينظر إليه وكأنه نوع من العنصرية والرفض لأشقاء لنا، في المقابل قد يدفع هذا القرار البعض من الوافدين لأن يكملوا دراستهم عن طريق الانتساب في جامعات عربية وهم مقيمون بيننا، فنحن أولى بهم واحتضانهم في جامعاتنا الحكومية، وهم بالمناسبة ليسوا بتلك الأعداد الكبيرة، فقد صرح بعض مسؤولي جامعاتنا بأن عددهم لا يتعدى أربعة آلاف طالب، ومثل هذا العدد لن يشكل أزمة في منافسة الطلبة السعوديين في مقاعدهم الدراسية في برامج الانتساب. قد يطرح البعض أن برامج الانتساب لدينا ضعيفة في مخرجاتها، وأن مثل هذا القرار كأنه التفاف على عدم كشف هذا الضعف في برامج الانتساب لدينا، وإن كان مثل هذا الطرح دقيقاً فعلى وزارة التعليم العالي إعادة صياغة منظومة برامج الانتساب على الجميع، الوافدين والسعوديين، ولقد قرأت أن برامج الانتساب في الجامعات الحكومية هي في طريقها للإلغاء في الأعوام المقبلة وحصرها فقط في الجامعة الإلكترونية الحكومية النائشة، فأنا أختلف مع هذا التوجه، فكأن مثل هذا القرار والقرارات المقبلة هو سياسة وزارة التعليم العالي لإنجاح تجربة الجامعة الحكومية الإلكترونية ولو بالقوة والإجبار والتضييق على الطلبة بالتوجه لها وعدم وجود برامج أخرى في الجامعات السعودية، فمتطلبات الجامعة الإلكترونية الحكومية متشددة جداً من حيث المواد المطلوب اجتيازها واختبارات اللغة الإنكليزية التي قد لا تكون في برامج الانتظام في بعض الجامعات الحكومية. مثل هذه القرارات هي من تدفع حتى بعض الطلبة السعوديين للتوجه للدراسة في جامعات عربية وأجنبية للدراسة بها عن طريق المراسلة التي قد لا يستفاد منها وقد تدخل في مجال الجامعات الوهمية. على وزارة التعليم العالي إعادة التفكير في هذا القرار واستيعاب الطلبة الوافدين في برامج الانتساب في جامعاتها الحكومية للتخفيف على تلك الجامعات في برامج الانتظام لديها، والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، كما في بريطانيا التي يوجد بها الكثير من البرامج المتنوعة للدراسة الجامعية، فهناك الدراسة المنتظمة والجزئية، والدراسة من المنزل، والجامعات المفتوحة، فأنا لا أبالغ إن قلت إن بريطانيا وغيرها من الدول المتقدمة تجني البلايين من الطلبة الأجانب الذين يدرسون في جامعاتها وببرامج دراسية متنوعة، أما مسؤولية جودة تلك البرامج فهي تقع على الجامعات نفسها، وعلى وزارة التعليم العالي أن تخبرنا بأي خلل في هذه المعايير، وإن وجدت هناك خللاً ما فعليها منع الجميع من الدراسة في تلك البرامج من مواطنين ووافدين. [email protected] akalalakl@