ينزل خمسة شبان إلى مترو القاهرة. يشترون تذكرتين فقط، ثم يعبرون من فوق ماكينات التذاكر، ويقفون على رصيف المترو حيث يتحدثون بصوتٍ عالٍ، ويتحرشون لفظياً بفتيات في المكان. تنزل ثلاث بائعات إلى المترو، وبمجرد اقتراب القطار من المحطة يفتحن حقائبهن لتجهيز المنتجات التي سيحاولن بيعها داخل القطار. نحو 3.5 مليون راكب يستخدمون يومياً أسرع وأرخص وسيلة للنقل في القاهرة، وهي المترو الذي يعمل من الخامسة صباحاً حتى الواحدة فجراً. الخط الأول منه يمتد من المرج الجديد وحتى حلوان، يستخدمه 1.5 مليون شخص، يعانون في رحلاتهم عبره يومياً. فالخط وضع في العمل قبل ثلاثين عاماً، وليس فيه أجهزة تكييف، ويعمل بقطارات قديمة، ونظام متداعٍ. يقول رئيس الهيئة القومية للأنفاق اللواء إسماعيل نجدي، إن «الخط الأول أُنهك تماماً، لدينا 56 قطاراً تعمل منذ عام 1987 بأنظمة وأجهزة قديمة تحتاج إلى التطوير، لذلك نعمل في اتجاهين متوازيين»، ويضيف: «نعمل على شراء 20 قطاراً جديداً تبلغ قيمة الواحد منها 130 مليون جنيه، سيتم تسلمها في كانون الأول (يناير) المقبل. ثانياً نعمل على رفع كفاءة القطارات الحالية، من خلال تزويدها مكيفات». 45 كيلومتراً هي المسافة التي يقطعها الخط الأول، مروراً ب35 محطة، فيما يبلغ طول الخط الثاني 21 كيلومتراً، ب20 محطة. أما الخط الثالث والأخير الذي أُنجزت مرحلتان منه عامي 2012 و2014، فإجمالي عدد محطاته حتى الآن 10، ولا يزال قيد الإنشاء، وسيتم افتتاح آخر مرحلتين منه خلال ثلاثة أعوام. تقول سماح السيد (20 عاماً): «أتمنى لو كان المترو كله مثل الخط الثالث، فهو مكيف وواسع وحديث، إلا أنني استخدم الخط الأول أكثر لأذهب إلى المعهد الذي أدرس فيه، واستخدم الخط الثاني من شبرا للجيزة من أجل الدورات». أما المستشار سامي دانيال (61 عاماً)، فيؤكد أن «الكراسي المخصصة لكبار السن نادراً ما نستخدمها، والمترو مزدحم دائماً»، ويضيف: « يزعجني المتسولون والباعة كثيراً، فهم في كل محطة، ولا يحافظون على نظافة المكان». منذ الصباح الباكر وحتى ساعات متأخرة من الليل، يتجول العشرات من الباعة الجوالين في المحطات، حيث تدخل سيدة أو اثنتان إلى القطار. وتلقي البائعة المنتجات قرب أرجل الجالسين، وتنادي بصوت عالٍ لترويج منتجاتها وتعلن أسعارها. والباعة الجوالون الرجال يدخلون أحياناً عربة السيدات، حتى وإن كانت مزدحمة، وهو أكثر ما يزعج السيدات، ويؤدي أحياناً إلى شجار، يتطلّب تدخّل أفراد الأمن. تقول أم أشرف (37 عاماً): «أبيع الجرائد منذ ثلاث سنوات، عندي 3 أبناء في مراحل تعلميمة مختلفة. لا أحب هذا العمل، لكن ليس أمامي خيار آخر، فحال البلد ليس جيداً، وأنا في حاجة إلى المال». وتضيف مبتسمة وهي تجلس على كرسي صغير في زاوية: «الضابط أحياناً يأخذ بضاعتي ولا يردّها لي إلا عندما أدفع غرامة، وأكبر غرامة دفعتها كانت 15 جنيهاً»، في حين يدفع البعض الآخر في بعض الحالات 300 جنيه. وعلى مقربة من أم أشرف، تمر آمال مُسلّم (35 عاماً) على كرسي متحرك أسود، وتقول: «أستخدم المترو منذ سبعة أعوام، في البداية كان بغرض ذهابي للجامعة، والآن من أجل زيارة المستشفيات، أو مقابلة الأصدقاء». تأتي آمال من منطقة ريفية، وتتحدث عن معاناتها في كل مرة تستخدم فيها المترو، إذ لا يوجد سلالم متحركة، كما أن رفع الكرسي يحتاج إلى مساعدة أربعة رجال. «من المفترض أن أستخدم المصعد الداخلي، إلا أنه مغلق في أغلب الأوقات. وعندما اتصل بالفني المسؤول عبر التلفون الداخلي للمحطة ليفتحه لي، أحياناً أنتظره ساعة»، تشرح آمال بإحباط شديد، بعدما اعتادت تكرار هذا الموقف. ويؤكد مدير الإعلام بمترو الأنفاق أحمد عبدالهادي، أن «سبب إغلاق المصعد هو سوء استخدامه من غير ذوي الحاجات الخاصة، أو كبار السن، فالمتسولون يستخدمونه للنوم فيه، وأحياناً للتبوّل". ويضيف: «حديثاً، أضفنا سلالم متحركة في جميع المحطات العلوية للخط الأول، من أجل راحة ذوي الحاجات الخاصة وسلامتهم، إلا أنه لا تمكننا إضافة مصاعد، لأن المحطات أثناء تصميمها وإنشائها لم تُجهّز لذلك». ويشير عبدالهادي إلى الخط الساخن المخصص لتلقي الشكاوى والمقترحات، مؤكداً أنها «تذهب مباشرة لرئيس الهيئة القومية للأنفاق، وبدوره يقوم بمناقشة تلك الشكاوى والمقترحات مع المختصين، ويأخذون ما يصل إليهم بعين الاعتبار». المترو الوحيد في أفريقيا، والذي كان الوحيد في أفريقيا والشرق الأوسط قبل إنشاء مترو دبي، يحتاج إلى عملية تطوير واهتمام، وهو ما وعد به المسؤولون خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، حيث سيقومون بتطوير الخطين الأول والثاني، وإنشاء خط رابع يقطع الخطوط الثلاثة ووسط القاهرة بالعرض، فهل سترى هذه الخطط النور قريباً؟