حي شبرا هو إحدى الضواحي القاهرية المزدحمة التي كانت يوماً مقصداً للكثير من أبناء الطبقة الأرستقراطية لهدوئها ونقاء هوائها. يعبر مترو الأنفاق آتياً من ذلك الحي الكثير من أحياء القاهرة، حتى يستقر أخيراً في الأطراف الجنوبية لمنطقة الجيزة. عربة المترو تمثل مشهداً مجتزأً من المدينة الواسعة، بكل تناقضاتها وأوجاعها وفوضاها السمعية والبصرية. الفنانان المصريان مينا نصر ويارا مكاوي، يسلطان الضوء على تلك اللحظة المجتزأة من مشهد المدينة، في عملهما التجهيزي المشترك المعروض في قاعة «آرت اللوا» في القاهرة حتى نهاية الشهر الجاري، تحت عنوان «خط شبرا». شارك مينا نصر رسماً، فيما ساهمت يارا مكاوي في تجهيز المؤثرات الصوتية المصاحبة. يبرز العمل قدرة الوسائط الفنية المختلفة على الإسهام في التعبير عن الفكرة المراد تقديمها، ففيه يتوحد الرسم مع المؤثرات الصوتية في رصد مشهد بصري من داخل العاصمة المصرية. مشهد قريب لإحدى عربات مترو القاهرة، يسلّط فيه الضوء على هذه التفاصيل اليومية لركاب المترو، التي يعيشونها خلال رحلتي الذهاب والإياب. صورة بصرية ربما اختبرها كثيرون من سكان القاهرة، كتجربة يومية، من دون الالتفات إلى التفاصيل الكثيرة المصاحبة لها. ففي هذا العمل، يساهم الصوت، مع الرسم، في إبراز ملامح المشهد. على الجدران البيضاء للقاعة، وبخطوط بسيطة وواثقة، ترتسم ملامح الركاب، حركات أجسادهم وملامح وجوههم وإيماءاتهم، إشارات اليدين، حالة الاستسلام والتراخي تحيط بهم وهم يعبرون جوف المدينة المترامية، ترافقهم أصوات الباعة وهدير عجلات القطار، وحتى الأغاني المنبعثة من هواتف المراهقين والتي تختلط بصوت الأذان المرفوع عبر مكبرات الصوت داخل المحطات. هنا متسولون وموظفون، طلاب وعمّال، أطفال وراشدون، نساء ورجال... الكل مستسلم لهذه الأصوات المتداخلة التي باتت من الرتابة بحيث لم تعد ملحوظة. غير أن اقتطاع المشهد من سياقه العام سهّل رصد هذه الفوضى السمعية، ما أدهش زوار المعرض، المفترض أنهم متآلفون مع هذا «الضجيج» اليومي. فها هو السلوك الرتيب، المُمارَس كل يوم، من دون أن نعيره انتباهنا، يحمل كمّاً هائلاً من الإيحاءات... والفن. تتداخل الأصوات. تتسلل عبر أسلاك الكهرباء. تتخلل الأجساد عبر أجهزة الصوت، وتتصاعد حدتها شيئاً فشيئاً، ثم تتشابك الأسلاك على الأرض وعلى الجدران لترسم ما يشبه الشرك العنكبوتي على الوجوه والأجساد المستسلمة، حتى يتحوّل مشهد الأسلاك وحركتها الزاحفة على الأشكال المرسومة أشبه بمعادل مرئي لهذه الأصوات المتداخلة والمتناقضة في آن واحد. يقول مينا نصر: «دقائق قليلة فقط، هي المدّة اللازمة للانتقال بين محطة وأخرى، وهي كافية لرصد شخصيات مختلفة: الباعة الجائلون، الموظفون، طلاب المدارس والجامعات... كما تسمع نقاشات الواقفين في مجموعات صغيرة، في السياسة أو أي موضوع آخر. في حين يغطي هدير القطار، والصفارات التي اعتادها الناس وباتوا يتجاهلونها، على أحاديثهم التي تمسي تدريجياً همهمات وجزءاً من الفوضى السمعية الخالية من المعنى تقريباً». ويعتبر نصر أن «هذا العمل يُدخل المتلقي في قلب هذا العالم للتعرف على تفاصيله، خط شبرا يقدّم مشهداً مألوفاً بمفهوم مختلف». يارا مكاوي من مواليد القاهرة -1987، تعمل حالياً في مجال «الفيديو آرت» وفن الصوت وتأليف الموسيقى الإلكترونية، إضافة إلى تنسيق ورش عمل فنية. أما مينا نصر، ففنان برز في المشهد الفني المصري منذ 2003، مهتم بقضايا الشباب، ويستخدم اللونين الأبيض والأسود في أعماله التي ينفذها عادة بأسلوب الرسم والكمبيوتر غرافيك والتجهيز في الفراغ.