علمت «الحياة» أن السلطات الجزائرية قررت تجميد مناقشات تعديل دستور البلاد حتى عودة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من رحلة العلاج التي يقضيها في فرنسا منذ نحو ثلاثة أسابيع. ولا تملك القوى السياسية التي شاركت في اقتراح تعديل الدستور أدنى فكرة عن شكل التعديلات التي تعكف على صوغها لجنة قانونية شكلها الرئيس بوتفليقة. لكن مسودة كشفها حزب الغالبية «جبهة التحرير الوطني» قد تكون قريبة من مضمون التعديل، وكان أبرز ما فيها ازدواجية السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية والوزير الأول واستحداث منصب نائب الرئيس. وكانت الرئاسة طلبت من الأجهزة المرتبطة بها إعطاء الزخم الشعبي اللازم لملف تعديل الدستور، لكن المشروع عاد إلى التجميد بمجرد نقل بوتفليقة إلى مستشفى فال دوغراس في ضواحي باريس على خلفية إصابته بجلطة دماغية. وتراجعت التوقعات ببعث المشروع، على الأقل في الظروف الحالية. واختار بوتفليقة رجل قانون من جامعة قسنطينة في شرق البلاد لقيادة لجنة تعديل الدستور، على حساب مقربين منه بينهم بوعلام بسايح وهو مستشار حالي للرئاسة ورئيس سابق للمجلس الدستوري، ولا يعرف المراقبون ورجال الإعلام حتى تفاصيل وجه هذا القانوني. ويعتقد بأن رئاسة الجمهورية طلبت منه عدم الخوض تماماً مع الصحافة في شأن طريقة عمل لجنته. وقال مسؤول رفيع ل «الحياة» إن «المؤكد في التعديلات المقبلة على دستور البلاد خلق منصب رئيس الجمهورية لتغطية فراغ كبير في الدستور، فيما يستمر الغموض في شأن عدد العهود (الولايات) الرئاسية، وما إن كانت ستقيد أم ستبقى مفتوحة وإن كانت ستمدد إلى سبع سنوات بدل خمس». وأشارت مصادر قريبة من الحكومة إلى أن توجيهات بوتفليقة للوزير الأول عبدالمالك سلال تقضي بأن تسلم اللجنة نتيجة عملها في أقرب وقت ممكن. وقد يكون التاريخ مقيداً بفترة لا تتجاوز نهاية حزيران (يونيو) المقبل «حتى يتسنى للرئيس إعلان قرارات مهمة تتصل باستمراره من عدمه على رأس الدولة». وخلال تنصيب لجنة التعديل الدستوري، لمح الوزير الأول إلى أن بوتفليقة لم يفصل بعد في ما إذا كان تعديل الدستور سيمر عبر البرلمان فقط أم عبر استفتاء شعبي. وفتحت الرئاسة باب التعديل كاملاً عدا المواد الصماء (فوق الدستورية). وقال سلال: «لم يتم وضع أي حد مسبق لمشروع التعديل الدستوري باستثناء الحدود المتعلقة بالثوابت الوطنية والقيم والمبادئ المؤسسة للمجتمع». وأيدت «جبهة التحرير الوطني» في المسودة التي قدمتها للوزير الأول إمكانية إقالة رئيس الجمهورية شرط ثبوت تهمه الخيانة عليه أو إخلاله بالواجبات، مع تمكين البرلمان من مباشرة إجراءات الإقالة، شرط توافر نصاب ثلثي أعضاء إحدى غرفتي البرلمان وموافقة الغرفة الثانية. لكن تحتاج الإقالة لموافقة غرفتي البرلمان بغالبية ثلاثة أرباع أعضائهما. ويحوز رئيس الجمهورية حصانة قانونية كاملة خلال فترة حكمه، حسب اقتراحات الحزب، ويمنع استدعاؤه للتحقيق أو الإدلاء بشهادته في قضايا الجرائم والجنح، لكن يمكن متابعته لاحقاً بعد مغادرته منصبه. وتطالب المعارضة بتعديل المادة 74 من الدستور التي تترك الباب مفتوحاً لرئيس الجمهورية ليترشح لعدد غير محدد من الولايات الرئاسية. وعدل بوتفليقة الدستور في 2008 بإلغاء تحديد الولايات الرئاسية باثنتين ليتمكن من الترشح لولاية ثالثة في 2009، لكنه لم يعلن إن كان سيترشح في 2014 لولاية رابعة. غير أن مصادر كثيرة تشير إلى أن الدستور المقبل لن يحمل آلية، لا لتمديد فترة حكم بوتفليقة ولا لتجديدها، قياساً لعدم رغبة بوتفليقة بالترشح لولاية أخرى، وأن التعديل المقبل سيركز أساساً على خلق منصب نائب الرئيس.