أعلنت الجزائر «تحسن» الوضع الصحي للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي نُقل مساء أول من أمس إلى مستشفى فال دوغراس العسكري في باريس، إثر إصابته بجلطة دماغية «عابرة». وبدا أن الأزمة الصحية المفاجئة قد تفسد حسابات الداعين إلى ترشح بوتفليقة لولاية رابعة، قبل عام من موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأعلن مدير المركز الجزائري للطب الرياضي رشيد بوغربال أن بوتفليقة (76 عاماً) «لم يتعرض لآثار مستعصية» إثر نوبة إقفارية (جلطة دماغية) «عابرة» تعرض لها أول من أمس، مضيفاً أن «الوظائف الحركية والحسية لم تتأثر»، وأن الجلطة «لم تدم سوى لوقت قصير»، مشيراً إلى أن «الإصابة ليست حادة وتتراجع من دون أن تخلف تأثيرات». وأضاف أن الرئيس يحتاج الى «إجراء فحوصات إضافية وأن يخضع للراحة لتجاوز التعب الذي سببته له هذه الوعكة» التي رجح أن يكون سببها «تصلب على مستوى الشرايين». ورغم أن هذه ليست الوعكة الصحية الأولى لبوتفليقة، إلا أن إعلان الجلطة أثار تساؤلات، خصوصاً أن الرئاسة الجزائرية اعتادت إحاطة الملف الصحي للرئيس بسرية تامة. واستغرب مراقبون مبادرة الوزير الأول عبدالمالك سلال إلى إعلان الوعكة الصحية لبوتفليقة. وقال سلال أمام أعيان وممثلين للمجتمع المدني في ولاية بجاية (300 كلم شرق العاصمة) التي زارها أول من أمس: «صحة الرئيس لا تبعث على القلق واستسمحكم للعودة إلى العاصمة قبل الثامنة والنصف مساءً... أقول لكم الحقيقة حتى لا تصدقوا الكلام الذي يأتيكم من الخارج. ليس لدينا شيء نخفيه». وقد يكون دافع الإعلان هو الخشية من التأويلات المحتملة لغياب بوتفليقة عن مباراة نهائي كأس الجزائر لكرة القدم الأربعاء المقبل، وهو موعد لم يخلف به بوتفليقة منذ توليه الحكم العام 1999. وكان آخر ظهور رسمي لبوتفليقة في جنازة الرئيس السابق علي كافي في 17 نيسان (أبريل) الجاري، وبدا فيها متعباً لكنه رافق الجثمان سيراً وحضر صلاة الجنازة وانتظر حتى ووري كافي الثرى. ولم يتنقل بوتفليقة كعادته إلى المطار لاستقبال رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما الذي زار الجزائر منتصف الشهر. ويبدو أن الانتكاسة الصحية لبوتفليقة في هذا التوقيت أفسدت خطط الداعين إلى ترشحه لولاية رابعة. وألغى أحد القياديين البارزين في حزب الغالبية «جبهة التحرير الوطني» حملة إعلانية في كبرى الصحف الجزائرية كانت ستبدأ في الظهور اليوم لدعوة بوتفليقة إلى إعادة الترشح في الرئاسيات المقررة العام المقبل. لكن على رغم ذلك أثارت أنباء مرض الرئيس تعاطفاً شعبياً واسعاً، قد يكون في مصلحة بوتفليقة في حال تحسن وضعه الصحي سريعاً، خصوصاً أن الحديث عن ملفات الفساد واحتمال تورط الدوائر المحيطة ببوتفليقة فيها تقلص تدرجياً. غير أن كشف تردي الوضع الصحي للرئيس في حد ذاته لا يخلو من دلالات. وقال وزير الاتصال والثقافة السابق عبدالعزيز رحابي ل «الحياة»: «ما كانوا ليعلنوا ذلك (مرض بوتفليقة) لو لم يكن الأمر يحتمل تفسيراً سياسياً كبيراً». وبدأت أوساط سياسية تتداول في إمكان تطبيق المادة 88 من الدستور الجزائري التي تتحدث عن احتمالات الحكم في حال عجز رئيس الجمهورية عن ممارسة مهامه بسبب مرض خطير ومزمن. وقال مسؤولون متنفذون ل «الحياة» إن مرض الرئيس في هذه الفترة قد يدفع بسيناريو الانتخابات المبكرة. وأشار أحدهم إلى أن «أربع شخصيات من الوزن الثقيل على الأقل تستعد لإعلان ترشحها» هي رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، ورئيس الحكومة السابق الأمين العام السابق ل «جبهة التحرير» علي بن فليس، ورئيس «حركة مجتمع السلم» الإسلامية الوزير السابق أبو جرة سلطاني، والأمين العام السابق ل «جبهة التحرير» عبدالعزيز بلخادم. وتزامن مرض الرئيس مع حديث غير مسبوق عن خلافات بين أجنحة السلطة في شأن الرئاسيات المقبلة. وترجح تحليلات أن تكون فضائح الفساد التي تتداولها الصحافة في شكل مفرط في الأيام الماضية هي «وقود» هذه الخلافات.