لا يحظى شهر رمضان المبارك في كندا بالمظاهر الاحتفالية التي تعم العالمين العربي والإسلامي (رفع الزينات والأعلام وإنارة الجوامع والشوارع ...، إلا انه يحتفظ برمزية تلك الشعارات داخل المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية والتجارية. فقبل حلول رمضان تمتلئ مخازن التموين بالمواد الغذائية وشتى اصناف المأكولات والحلويات والمشروبات التي تستورد خصيصاً لهذه المناسبة. وتكتظ المساجد والمراكز والجمعيات الدينية بالصائمين، افراداً وعائلات، وتقام فيها المآدب الجماعية العامرة وتقدم مجاناً للجميع طيلة ايام شهر رمضان. وتتحول قاعاتها بعد الإفطار الى ندوات للوعظ والإرشاد وإلى محاضرات تطرح فيها هموم ومشاغل الجالية وغيرها من الموضوعات التي تستوحى من المناسبة. وتختتم الأمسيات الرمضانية يومياً باحتفالية خاصة للبذل والعطاء وجمع التبرعات والصدقات حيث يتنافس الصائمون على تزكية افطارهم بما تجود به انفسهم من مال يخصص ريعه لتجهيز بعض المؤسسات او انفاقها على مشروعات اجتماعية او ثقافية او ارسالها الى خارج كندا للأيتام والمحتاجين. وتنهمك في المقابل مؤسسات اعلامية كندية بمتابعة الصائمين في هذا الشهر لتنفذ من خلالهم الى التعرف على اجواء شهر رمضان وشعائره وتقاليده وتستضيف القنوات التلفزيونية رجال دين ومثقفين وطلاباً ومراهقين وحتى اطفالاً لا للوقوف على معاناتهم من الجوع والعطش وتجنبهم الملذات والشهوات كما يتبادر الى اذهان الكنديين وإنما لتقديم نموذج اسلامي يستحق التقدير والإعجاب والاحترام. وينفرد شهر رمضان في الجامعات الكندية بموقع يتميز عن سائر المواقع الإسلامية التقليدية. ففي مونتريال يتوزع الطلاب المسلمون على الجامعات، ويربو عددهم على عشرة آلاف طالب وطالبة بينهم الإندونيسي والإيراني والباكستاني والفلبيني والهندي والأفريقي والعربي. يمارسون فيها حرياتهم الدينية تماماً كحرياتهم الأكاديمية بمن فيهم الطالبات المحجبات او اللواتي يرتدين الشادور والخمار والبرقع. وفي شهر رمضان من كل عام تجتمع روابطهم الطالبية وتنقسم الى لجان تتولى تنظيم الإفطارات اليومية وتحديد اوقات الصلاة ووضع البرامج للأنشطة الروحية والثقافية وصولاً الى الاحتفال بعيد الفطر وإقامة صلاة العيد ، وتعتبر جامعتا كونكورديا وماغيل معقلين اساسيين للطلاب المسلمين (حوالى سبعة آلاف طالب) الذين يجعلون من جامعة كونكورديا مركز التجمع الأساسي في شهر رمضان في قاعتين فسيحتين للصلاة، للشباب وللإناث وقاعة اخرى مخصصة لتناول الإفطار اليومي. وعن مجمل الأجواء التحضيرية لاستقبال رمضان يقول حميد سامح (مغربي)، أحد منظمي الإفطارات الرمضانية في جامعة كونكورديا: «قسمنا العمل على لجان بعضها يهتم بتأمين الماكولات والمشروبات والحلويات وبعضها للإشراف على قاعات الصلاة والوضوء والحفاظ على النظافة العامة وبعضها لتحضير النشاطات الروحية والجلسات الثقافية والفكرية». وعن موقف الجامعة والطلاب الكنديين من هذه الأنشطة الدينية، يقول سامح: «من البديهي ان هذه المكتسبات التي حققناها على مدى السنوات الماضية لم تأت الا بعد نضالات عسيرة مع ادارة الجامعة ومع الروابط الطالبية، اليهودية منها خصوصاً. ولكن مع الصبر والإصرار تمكنا من ممارسة شعائرنا الدينية في شكل كامل، والعديد من الطلاب الأجانب والأساتذة ومديري الكليات يشاركوننا افطاراتنا اليومية كل سنة، ونحن على حوار مع الجميع حتى ان بعض الطلاب يشهر اسلامه في نهاية شهر رمضان من كل عام». اما المدارس الإسلامية في مونتريال فهي اكثر الأماكن التي تظهر فيها معالم الزينة والبهجة احتفاء بشهر رمضان المبارك. فالإعلام والرسومات والمجسمات الفنية تظهر في الصفوف والممرات والملاعب والتحضيرات لفرق الأناشيد والمسرحيات الدينية تجرى يومياً. اما الاحتفالات الرسمية فتحييها بعض الجمعيات كعادتها في كل رمضان، في احد الفنادق الفخمة حيث تدعى إليها الفعاليات من مختلف الجاليات ورجال الدين من المذاهب كافة ورسميين ورؤساء احزاب كندية، وتلقى فيها الخطب التي تشيد بالتعايش الإسلامي - الكندي، وغالباً ما تؤتي مثل هذه الإفطارات أُكُلها إما في شكل مساعدات مالية وإما بدعم بعض مشاريع الجالية. كما تقوم بعض الهيئات الدينية بتنظيم المسيرات الكشفية التي تخترق شوارع مونتريال الرئيسية.