أفادت مصادر مطلعة بأن العاهل المغربي الملك محمد السادس نأى بنفسه بعيداً عن الأزمة التي تجتازها حكومة رئيس الوزراء عبدالإله بن كيران، وأنه لن «يصدر تحكيماً في خلافات حزبية» التزاماً بروح دستور 2011. وأوضحت المصادر ذاتها أن الكرة باتت في ملعب الفرقاء السياسيين، بخاصة رئيس الحكومة بن كيران والأمين العام لحزب «الاستقلال» حميد شباط اللذين سيكون عليهما الحسم في الخلافات القائمة. وعزت المصادر عدم صدور تحكيم ملكي - على رغم أن «الاستقلال» رهن به تنفيذ قرار الانسحاب من الحكومة الذي أقره المجلس الوطني (برلمان الحزب) قبل نحو شهر - بالاحتكام إلى المرجعية الدستورية التي تحتّم الفصل في المنازعات داخل المؤسسات وليس بين الأحزاب. أما رئيس الحكومة الذي لجأ مرات عدة إلى التقليل من أهمية الأزمة، فقد أكد أنه لم يحصل على أي رسالة رسمية من الحليف «الاستقلالي» تفيد بانسحابه من الحكومة. وتضيف المصادر أن الأزمة قائمة فعلاً على مستوى التصدع الذي يعتري العلاقات بين مكونات الائتلاف الحكومي الذي يضم أربعة أحزاب هي «العدالة والتنمية» «الاستقلال» «الحركة الشعبية» و «التقدم و الاشتراكية»، لكنه لم يصل إلى المأزق الذي يحتم تحكيماً ملكياً، في إشارة إلى ترك الخلافات في إطارها الحزبي. وقال رئيس الحكومة في آخر مداخلة له إنه يعتزم تنفيذ إصلاحات مؤلمة لتقويم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ما فُهم منه أن حكومته ماضية في طريقها، على رغم انتقادات الحليف «الاستقلالي» الذي هدد بسريان مفعول انسحابه في حال اتخذت الحكومة قرارات تضر بالقدرة الشرائية للمواطنين وتثقل كاهل الاقتصاد بأعباء إضافية. وأوضح بن كيران أمام اجتماع حزبي أن المرء حين يكون في موقع المسؤولية «يصعب عليه (اتخاذ) قرارات مؤلمة»، ووضع استقرار البلاد في مقدم الاعتبارات التي باتت تحتم إصلاح نظام المقاصة الذي يكفل دعم المواد الاستهلاكية الأساسية مثل الدقيق والزيت والسكر. وكشف أن تقارير صندوق النقد الدولي تنظر إلى الإصلاحات الهيكلية في المغرب على أنها «مرتبكة»، ووصف المؤسسة النقدية بأنها «شريك أساسي» وأنه لن يخجل في الذهاب بعيداً في تنفيذ الإصلاحات، في غضون مراعاة أوضاع البلاد. وكان لافتاً أن رئيس الحكومة عرض إلى بعض مظاهر أزمة حكومته بطريقة غير مباشرة، حين نفى أن يكون شرع في إجراء مشاورات مع بعض أحزاب المعارضة، وتحديداً مع «تجمع الأحرار» بهدف ضمه الى الحكومة. وقال بهذا الصدد: «لدينا حليف هو الاستقلال تربطنا به وشائج كبيرة». واعتبر أن إجراء مشاورات مع أحزاب المعارضة في غضون استمرار التحالف «أمر لا يليق»، ما فُهم أنه يهدف إلى تعبيد الطريق أمام معاودة الحوار مع الحليف المنسحب للبحث في صيغة وفاقية لتجاوز الأزمة. وصرّح حميد شباط زعيم «الاستقلال» بأن الإصلاحات الاقتصادية تتطلب إجراء مشاورات مع كل الفرقاء للبحث في حلول تكفل صون الاستقرار وحماية القدرات الشرائية للفئات المحدودة الدخل. وعاب على رئيس الحكومة أن خطته لجهة منح حوافز مادية لفئات معوزة، في ظل إصلاح نظام المقاصة، «كانت لها أهداف انتخابية». كما تساءل عن أسباب تلكؤ الحكومة في عدم إقرار القوانين المنظمة للانتخابات المحلية. ووصف القرار الذي اتخذه المجلس الوطني بالانسحاب من الحكومة بأنه كان «صعباً» تم فيه ترجيح المصلحة العامة للبلاد. وعاود التأكيد أن الخلاف قائم مع رئيس الحكومة وليس مع حزبه «العدالة والتنمية»، ما يفسح في المجال أمام إمكان تجاوز الأزمة، موضحاً أن حزبه «يمد يده لكل الأحزاب التي يهمها استقرار البلاد». ورأت المصادر في لجوء الغريمين إلى لغة التهدئة، بعد أن ساد التصعيد الأسابيع الأخيرة، بادرة انفتاح. غير أن مستقبل التحالف الحكومي يظل رهن الحوار الذي يمكن أن يبدأ داخل مكونات الائتلاف الحكومي، وفي حال اصطدم بالباب المسدود، يتم اللجوء إلى خيار أقربه استقالة حكومة عبدالإله بن كيران والدعوة إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها. ولا تزال الطريق غير معبدة أمام معاودة الوفاق برأي أكثر من مراقب. إلى ذلك، تبدأ ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأميركي جون كيري بعد غد الجمعة زيارة رسمية للمغرب تجري خلالها محادثات مع عدد من المسؤولين المغاربة. ولم يكشف النقاب عن تفاصيل الزيارة، لكنها تكتسي أهمية إذ تأتي في سياق ترتيب العلاقات المغربية - الأميركية بعد الاتصال الهاتفي الذي جرى الشهر الماضي بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس باراك أوباما. وقالت المصادر إن زيارة شيرمان تأتي بعد أسبوع من زيارة قام بها قائد «أفريكوم» الجنرال الأميركي ديفيد رودريغيز للمغرب وتباحث خلالها مع المفتش العام للقوات المسلحة الملكية الجنرال عبدالعزيز بناني في سبل تعزيز التعاون العسكري بين البلدين. وتعتبر زيارة شيرمان الأولى لمسؤول في الإدارة الأميركية منذ اندلاع أزمة «المينورسو» بين الرباطوواشنطن والتي ارتبطت بتقديم مسودة أميركية حول توسيع صلاحيات بعثة الأممالمتحدة إلى الصحراء «المينورسو». لكن واشنطن عمدت إلى سحب المسودة بعد مشاورات على أعلى مستوى بين مسؤولين مغاربة وأميركيين قبل تصديق مجلس الأمن على قرار تمديد ولاية «المينورسو» لعام آخر.