أجّج تدخل «حزب الله» الشيعي اللبناني المدعوم من إيران بشكل علني في النزاع السوري الاستقطاب السني - الشيعي الحاد الذي بات يطلق العنان للمتطرفين من الجهتين ويهدد بتصدير النزاع إلى المنطقة بأسرها، وفق ما حذّر محللون. ويقاتل «حزب الله» علناً إلى جانب قوات النظام السوري، فيما تشير تقارير أخرى إلى مشاركة عراقيين شيعة بدورهم في المعارك ضد المعارضين المسلحين، ومعظمهم من السنة. وتسبب ذلك بدعوات لاتخاذ موقف سني موحد ضد تدخل المجموعات الشيعية في سورية، ودعا مفتي السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ الجمعة الماضي «الجميع، ساسة وعلماء، إلى أن يتخذوا من هذا الحزب الطائفي المقيت (في إشارة إلى «حزب الله») ومن يقف وراءه خطوات فعلية تردعه عن هذا العدوان، فقد انكشف بما لا يدع مجالاً للشك أنه حزب عميل لا يرقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة». بدوره، اعتبر الداعية البارز يوسف القرضاوي، الذي يحظى بملايين المؤيدين، لا سيما في تيار «الإخوان المسلمين»، أن «الذين يسمون أنفسهم حزب الله هم حزب الطاغوت استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، أولئك حزب الشيطان إلا إن حزب الشيطان هم الخاسرون». وقال القرضاوي في مقابلة مع قناة «العربية» الأحد، إن علماء السعودية الذين كانوا في السابق يحذرون من «حزب الله» بينما كان هو يدافع عنه لأنه يحارب إسرائيل «كانوا أكثر نضجاً مني وأبصر بالأمور مني». أما الرئيس الموقت ل «الائتلاف الوطني السوري» المعارض جورج صبرا، فاعتبر بعد سيطرة قوات النظام السوري على مدينة القصير الاستراتيجية بمساعدة «حزب الله»، أن «الفعل الطائفي الذي يقوم به مقاتلو حزب الله والسياستين الإيرانية والعراقية (الداعمتين للنظام السوري) تستجر ردود أفعال من النوع نفسه. هذه الردود لا نريدها ولا نقبلها، لأنها تحول حياتنا في المنطقة إلى جحيم». وأججت معركة القصير بالتحديد التوترات الطائفية في المنطقة بشكل كبير، وقاد مقاتلو «حزب الله» هذه المعركة، التي استمرت 17 يوماً وانتهت بسيطرة النظام على المدينة الصغيرة القريبة من الحدود اللبنانية والتي كانت معقلاً مهماً للمعارضة المسلحة. وقال مدير «معهد بروكينغز» في الدوحة سلمان شيخ: «نحن نخشى اليوم أن يتم جر المنطقة بأسرها إلى نزاع طائفي يكون في الواقع سلسلة من الحروب الأهلية، بما في ذلك في لبنان والعراق، وبالطبع في سورية نفسها». وأضاف أن «مشاركة حزب الله في هذا النزاع على الخط الطائفي يتسبب بتوترات في لبنان، وأيضاً على مستوى العالم العربي». وتهيمن على النظام السوري شخصيات من الأقلية العلوية التي تعتبر متحدرة من الشيعة، في حين يشكل السنة غالبية سكان البلاد. وحذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الأحد من «العاصفة الطائفية» والاقتتال اللذين يضربان المنطقة، داعياً إلى النهوض بمشروع للمصالحة الوطنية في بلاده لمواجهة هذا الخطر. وتم تشييع عدد من الأشخاص في العراق قيل إنهم قتلوا في سورية. من جهة أخرى، قال المحلل السياسي الإماراتي عبدالخالق عبدالله، إن «التخندق الطائفي ازداد درجات عدة في الفترة الأخيرة، وربما بلغ مستويات مقلقة وغير عادية»، مضيفاً أن «الاصطفاف يختلف الآن عما كان موجوداً في القدم، لأنه في جوهره اصطفاف سياسي وليس بالضرورة اصطفافاً عقائدياً كما كان. الآن أخذ بعداً إقليمياً وسيؤدي إلى المزيد من التوترات». وتابع عبدالله أنه في هذه المعادلة «هناك السعودية، التي تبدو كطرف سني مدافع عن المعاقل السنية، وهناك طهران التي تقول إنها مسؤولة عن الشيعة ليس فقط في إيران بل في كل المنطقة». كما اعتبر أن «المواجهة مفتوحة على كل الجبهات بين إيران ودول الخليج» السنية. ويبدو لبنان المجاور لسورية متأثراً بشكل خاص بتداعيات الأزمة. وتشهد مدينة طرابلس اشتباكات مستمرة بين العلويين الموالين للنظام السوري والسنة المؤيدين للثورة. وقال الكاتب اللبناني حازم صاغية إن «النظام السوري ضخم الخارج السوري... هناك سورية في لبنان، سورية في الأردن، سورية في العراق وسورية في الجو الفلسطيني وسورية في تركيا، من دون أن يكون ذلك مؤسساً على داخل صلب. الداخل عار وفارغ ... وهذا ما جعل الأزمة السورية تصبح أزمة اصطفاف سني - شيعي عابر للحدود». ووفق صاغية، فإن «الدعم الإيراني ومن حزب الله للنظام السوري يزيد تأكيد الطابع السني للطرف المقابل»، مشيراً إلى أنه «بعد 40 سنة من الحكم بيد أجهزة أمن علوية لم يكن صعباً وجود هذه النزعة لدى السوريين» كما أن «بشار الأسد قال مراراً إن الصراع في سورية هو صراع في المنطقة بأسرها». وفي لبنان، دان السياسيون السنة بشدة تدخل «حزب الله» في القصير، فيما أشارت تقارير إلى مشاركة مقاتلين سلفيين في القتال إلى جانب المعارضة في هذه المدينة وغيرها. وبعد سيطرة النظام على المدينة، وزعت الحلوى في بعض المناطق الشيعية في لبنان، فيما احتفلت بذلك مجموعة شيعية صغيرة في البحرين كذلك. وفي هذا السياق، قال الكاتب السعودي طارق الحميد، إن «المخيف هو أن صعود الطائفية قد يؤجج مجدداً القاعدة والتطرف، ما يشكل خطراً على المنطقة». وتبدو المواجهة المستمرة منذ عقود بين ايران والسعودية، متجسدة بمواجهات بالوكالة في كل من سورية واليمن والبحرين ولبنان. واتهمت المعارضة السورية مؤخراً مسلحين يمنيين من الحوثيين الشيعة بالقتال إلى جانب قوات النظام السوري، إلا أن الحوثيين نفوا ذلك. وفيما تحظى المجموعات الشيعية المسلحة التي تقاتل في سورية بدعم واضح من ايران، يدخل المقاتلون السنة إلى سورية عموماً بشكل متفرق كأفراد، وغالباً ما يكون ذلك ضد إرادة دولهم. فالسعودية مثلاً حذرت مواطنيها مراراً من القتال في سورية بالرغم من دعمها المعلن للمعارضة. وخلص صاغية إلى القول: «هناك مناخ عام سني - شيعي في المنطقة ككل، وقد وصل إلى باكستان، وهو موجود اينما وجد سنة وشيعة».