ما أن تلوح تباشير موسم «الرطب» جنياً بألوانه الحمراء والصفراء في المدينةالمنورة، إلا ويبدأ حراكاً تجارياً كبيراً لا يكاد يهدأ، ميادينه وسط المزارع وفي الأسواق بيعاً وشراءً عبر المزادات الموسمية. ويشهد قطاع التمور العديد من صفقات البيع والشراء قبيل موسم الجني وحصاد الرطب والتمور من المزارع، بين المزارعين والمحرجين، إذ لا يكاد «موسم الصيف» يخلو من بعض التجاوزات، في ظل ارتفاع رواتب العاملين ونقص في العمالة. وتتجاوز صفقات تجارة الرطب التي يتشاركها مواطنون ووافدون، ملايين الريالات، وسط سباق محموم للحصول على مزرعة مستأجرة لجني ثمارها وبيعها بمكاسب قد تتضاعف ثلاث مرات عن قيمة الشراء، وقد يصيبها الخسران كتجارة تقبل الضدين، مع وجود مسلمات تتمثل في أن «من يدفع أكثر يربح أكثر». رواتب عمال المزارع الشهرية في الموسم تتجاوز، في أوقات كثيرة، مبلغ أربعة آلاف ريال، يتشكلون من مزيج مهن مختلفة، فمنهم السباك، الدهان، والبناء، يتحينون فرصة الموسم للعمل في المزارع، هاجرين مهنهم الأساسية، كون العمل في القطاع يتميز بمردود أكبر من وظائفهم الأساسية. ويتشجع العديد من هذه العمالة على شراء مزارع النخيل، التي تصل قيمة بعضها إلى مليون ريال، وهو ما يعجز عنه بعض المواطنين، وتصل أعداد من يتم توظيفهم في المزرعة الواحدة إلى 20 عاملاً. وتتعدد أشكال وأنواع التمور في مزارع المدينة بين العجوة، الصفاوي، الشلبي، والبرني والأخيرة هي الأفضل سعراً، والأكثر طلباً بين التمور. أما الرطب فهناك الروثانة، لونة مساعد، والحلية وهي الأكثر طلباً في بداية الموسم. وعزا رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية بالمدينةالمنورة المهندس حمود الحربي ل «الحياة» ارتفاع أجور العمالة بمزارع النخيل إلى نقص الأيدي العاملة، كما أسهم في خسائر للمزارعين، مبيناً أن شدة الحرارة تساعد على سرعة نضوج الثمار، ما يتطلب سرعة في الجني قبل أن تتلف الثمار، وقال «بعض أصحاب المزارع اضطروا إلى تأجير مزارعهم لبعض العمالة لعدم قدرتهم على جنيها» . ويؤكد المزارع محسن السالمي أن موسم الرطب يشهد نقصاً في عمال المزارع، ما يستدعي الاستعانة بعمال المهن الأخرى برواتب تفوق الثلاثة آلاف ريال، مضيفاً أن العجز في العمال يجبر بعض أصحاب المزارع إلى بيع ثمارها إلى سعوديين أو وافدين بنصف القيمة. ويشير المزارع خالد المحمدي إلى أن هناك مزارع كبيرة لا يستطيع المزارع السعودي القيام بجني ثمارها لكثرة أعداد النخيل بها، ولشدة الحرارة، التي تسهم في سرعة نضوجها، وربما تلفها، وقال إن الكثير من المزارع تحتاج أعداداً كبيرة من العمال، حتى تواكب سرعة النضوج، فيضطر أصحابها إلى بيعها إلى وافدين لديهم القدرة على جنيها، مع قدرة على دفع المال. ويكشف المزارع داخل الأحمدي أن بداية موسم الرطب يسبق عادة بتدفق عدد كبير من العمالة الوافدة على المزارع لاستئجارها، جنباً إلى جنب مع المواطنين، إلا أنه يشير إلى ظاهرة كثافة العمالة الباكستانية التي أصبحت متخصصة في استئجار مزارع الرطب وبيعها، ويجدون دعماً كبيراً من المحرجين والدلالين، لدرجة أن هناك بعض المحرجين يعقدون معهم صفقات ويدعمونهم حتى بالمال لمساعدتهم على شراء الرطب والتمور - بحسب قوله. بينما يبين المزارع صالح الحربي أن المصلحة من شراء الوافدين لمزارع التمور تعود للمزارع قبل الوافد، ويقول «المزارع لا يستطيع تشغيل العدد الكافي من العمال لجني الرطب، وإن أحضرهم فقد يتعرض للخسارة بسبب ارتفاع أجورهم، ومتطلباتهم اليومية، فيما يستطيع غير السعودي تشغيل عمالة من بني جلدته وبأجور شهرية معقولة».