من الوارد أن يمرض أحدهم بحكم ضعف جهازه المناعي. ومن المحتمل أن ينتشر وباء في دولة ما بحكم تهالك إمكاناتها الطبية والعلاجية والوقائية. ومن الممكن أن تصاب مجموعة من الأطفال بفيروس لأنهم يقطنون في منطقة نائية لا تصل إليها الإمدادات الصحية أو الإجراءات الوقائية. أما أن يمرض أحدهم، أو ينتشر وباء ما، أو يصاب أطفال بفيروس بعينه لأن ذويهم يعتقدون أن وقايتهم ضد الدين، وحمايتهم تتعارض ودخول الجنة، وتحصينهم مناهض للشرع، فهذا هو المستحيل بعينه. لكن الجديد أن عين المستحيل تتحقق وتتبلور. وتجلّت تماماً من خلال ظهور إصابات في منطقة شرق المتوسط التي خلت لفترة من هذا المرض. فأن يصاب طفل عام 2014 بشلل الأطفال ويتحوّل إلى مواطن معاق بسبب خرافات وخزعبلات تلتحق برداء الدين تارة، أو يأتي مختبئاً في بزة احتراب وقتال باسم الدين طوراً، فهذا – وإن كان مقززاً – فهو الواقع المر. وتبدو مرارة واقع المنطقة، حيث «الدول التي تعاني مشاكل أمنية أو صراعات مسلّحة أو طائفية أو اقتتالات أهلية أو جماعات «إسلامية» متطرّفة، فقد ظهرت فيها مجدداً حالات شلل الأطفال أو لم تنجح جهود القضاء عليه من الأصل». هكذا يتحدّث كبير مسؤولي الإعلام في مكتب شرق المتوسط بهاء القوصي عن اللقاح الحاضر الغائب، الفهم الخاطئ المضلل لآفة كان يُعتقد إنها ولّت ودبرت. ودبرت أيام التي كان يعتقد فيها أن هذه المنطقة لا تتبوأ مكانات متقدمة في اللوائح. فقد تربعت بغالبيتها العربية على رأس بلدان العالم الشاهدة لاستمرار حالات الإصابة بشلل الأطفال، حيث 90 في المئة من الحالات الجديدة المبلّغ عنها خلال العام الحالي من نصيبنا. ويرتبط نصيب الأسد الذي يحظى به أطفال العرب والمسلمين من هذا المرض التاريخي، ارتباطاً واضحاً بالجماعات المتطرّفة، حيث يؤكد القوصي ل»الحياة» آسفاً، أن هذه الجماعات تمنع الهيئات الدولية وحملات التلقيح والتحصين من الوصول إلى المناطق التي تسيطّر عليها، ما أدى إلى تطابق بين حالات ظهور المرض وأماكن تواجد تلك الجماعات. من «بوكو حرام» إلى «النصرة» إلى «داعش» إلى آخر تلك الجماعات، ظهرت حالات تنبئ بعودة مجددة لشلل الأطفال يُخشى أن يتحوّل إلى وباء. ومن أفغانستانوباكستان، إلى الصومال، وأخيراً العراق وسورية عاود المرض الظهور. ويشير القوصي إلى أن تحليل الفيروس في سورية مثلاً أشار إلى أن مصدره «مقاتلون» قدموا إليها من باكستان. وتحليله في الصومال، تأكّد مصدره بأنه «مقاتلون» من نيجيريا، وهكذا. يُذكر أنه في نهاية العام الماضي، نجمت 60 في المئة من حالات الإصابة بشلل الأطفال عن انتشار الفيروس البري دولياً عن طريق المسافرين. وهذا العام، انتشر الفيروس انطلاقاً من ثلاث دول من أصل الدول العشر الموبوءة حالياً. ففي آسيا الوسطى انتقل من باكستان إلى أفغانستان. وفي الشرق الأوسط انتقل من سورية إلى العراق، وفي وسط أفريقيا من الكاميرون إلى غينيا الاستوائية. لكن ما لم يستوِ هو تلك الفتاوى التي صدرت في بلدان «إسلامية» لتحرم حصول الأطفال والرضّع على تحصينات من الشلل «لأن التحصين يعطّل إرادة الله»، أو «لأنه مخلوط بدهن الخنزير»، أو لأن «الغرب الكافر دسّ فيه ما يؤدي إلى العقم ليمنع خلفة المسلمين». ولأن المقولة الشهيرة «داويها بالتي كانت هي الداء»، يوضح القوصي أن بياناً واضحاً سريعاً صدر عن علماء مسلمين بارزين دعوا فيه إلى توحيد الصفوف من أجل استئصال المرض، معلنين أن تحصين الأبناء والبنات مسؤولية الأهل والمجتمع على حد سواء، ومؤكدين أن التحصينات آمنة وفعالة تماماً وتتفق ومبادئ الشريعة الإسلامية. وأكدّ الأزهر أن «المقاصد الرئيسة للإسلام هي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وإن حماية الأطفال من الأمراض أمر بالغ الأهمية لتحقيق هذه المقاصد». ومن وجهة نظر اقتصادية، فقد أعلن البنك الإسلامي للتنمية أن المجتمع الصحي أحد الشروط الرئيسة لتحقيق التنمية البشرية، وهذا لا يتحقق في المجتمعات المريضة. لذا، سخّر موارده ورأسماله الفكري للعمل من أجل استئصال شلل الأطفال. من جهتها، أشارت منظمة التعاون الإسلامي إلى أن 95 في المئة من حالات الإصابة بشلل الأطفال حدثت العام الماضي في دول عضوة، إضافة إلى أن البلاد المستهدفة وتلك التي عاود فيها الانتشار هي دول أعضاء في المنظمة، ما يعني أنه بات قضية إسلامية ويجب العمل على اجتثاثه. لكن الحروب والاقتتالات تقف حائلاً رئيساً في الدول العربية، بدءاً بمنع الجماعات من وصول فرق التطعيم، مروراً بتدمير البنية التحتية بما فيها المستشفيات والخدمات الصحية، وانتهاء بفتاوى التحريم.