ربما لم يكن متوقّعاً أن تسير مجلة «ساينس» الشهيرة، الناطقة بلسان «الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم» في مسار تأييد عدم الوسوسة من الخطأ في العلوم. جاء هذا التأييد بصورة غير مباشرة، إذ نشرت المجلة مقالاً على موقعها الشبكي، استعادت فيه أن سلسلة من الأخطاء حدثت في عام 2006 بين مؤسستين أميركيتين أثناء إنجاز كل منهما معرضاً عن تاريخ الديناصور، أدى إلى تداخل غير مقصود في المعلومات والعيّنات، لكنه أحدث فورة علميّة بخصوص المعلومات عن العصر البليوليثي (قبل 2.5 مليون سنة) ما زالت تشغل اختصاصيي العصر الحجري في متحف «بايج» الأميركي. ورأتها المجلة فرصة للإشارة إلى أن ارتكاب الأخطاء في المختبرات، بمعناها الواسع، ربما كان من حسن الحظ، بل حتى هبة طيّبة. وذكّرت المجلة بسلسلة، بعضها ذائع الصيت تماماً، من الأخطاء التي ساعدت في تطوّر العلوم تاريخياً. من الخطأ الصعود إلى مركبة ثقيلة من الحديد ثم الطيران بها، من دون معرفة كافية ودقيقة عن إمكان نجاح هذه التجربة الخطيرة التي جرت على تلّة مرتفعة في «كيتي هوك» قبل 110 سنوات. وبعد قرن من طائرة «الإخوة رايت» أثبت علماء «الوكالة الأميركية للطيران والفضاء» («ناسا») أن نجاح هذا الطيران لم يكن سوى خطأ لعبت الصدفة دوراً في نجاحها، لكنها حقّقت حلم الطيران بل أطلقت عصر الطيران وصولاً إلى اكتشاف الكون! لم يكن سوى خطأ أن يترك عالِمٌ خبزاً مكشوفاً في مختبر مملوء بأطباق البكتيريا، بل أنه ارتكب خطأ آخر بتركه بعض تلك الأطباق مكشوفة أيضاً. وعندما عاد إيان فليمنغ، لاحظ أن ما تطاير من عفن نبتة نمت على خبزه المتروك، هبط على بعض أطباق البكتيريا، فصنعت دوائر لم تستطع البكتيريا أن تنمو فيها. وبديهي القول بأن هذه هي القصّة الشائعة والمعروفة عن اكتشاف البنسلين الذي أحدث قفزة كبرى في الطب باكتشاف مُضادات الحيويّة التي تستطيع مكافحة البكتيريا، وتشفي من التهاباتها وتكافح أوبئتها. ولا يوجد داعٍ لاستعادة القصة الشهيرة التي تربط بين اكتشاف مفهوم الكهرباء، وشغف بنجامين فرانكلين باللعب بالطائرات الورقية التي تدار بسلك معدني، في عام 1752. وثمة قصّة معروفة عن اكتشاف ال «ديجيتالِس» Digitalis ، وهو ركن الأدوية المكين في علاج أمراض القلب، في عام 1775. وحينها، عالج الطبيب الاسكتلندي ويليام ويذرينغ بريطانياً شكا من تدهور حال قلبه. لم يكن لدى ويذرينغ ما يقدّمه للمريض الذي قصد محل غجري، واشترى نبتة «قفاز الذئب القرنفلي»، وشرب نقيعها، وشفي. حتى هذا الأمر لم يكن ليصل إلى أذنيّ ويذرينغ، لولا أنه كان ارتبط مع فتاة تهوى النباتات. ووصل النبأ إلى فتاة الطبيب التي حرّضته على محاولة استعمال هذه النبتة، على رغم عدم التزام هذا النوع من المسعى مع التقاليد العلميّة. وجرّب الطبيب، ربما مع كثير من الخطأ. واكتشف دواء يدين له ملايين الناس لحد الآن. هل كان خطأ أن يعبر طالب مُشاغب الخط الأحمر في الحشرية، فيصنع صفحة تجمع الصفات الشخصيّة لأصدقائه وطلاب جامعته؟ هذا الخطأ كان بداية... «فايسبوك». ويبدو أن الخطأ أهم حتى مما يفكر به العلماء الذين يطلبون الآن من الجميع أن يرتموا فيه بلا خوف، لأن العلم يعبر في مرحلة... صعود البيانات الكبيرة! توقّفوا عن التظاهر بالدهشة. هذا هو العالم الآن وهنا.