يبدو عدد شباط (فبراير) 2013 من مجلة «العربي العلمي» (وهو ال14 في مسارها) وكأنه استجابة لأسئلة بعض قرائها، خصوصاً الرسالة المنشورة في قسم «بريد» التي طلبت تناول سير علماء العرب الذين «ساهموا» في نهضة الغربيين «حين نقلوا عنهم». ربما يصح القول إن هذا السؤال يتسم بالتكرار والعمومية والارتباك إزاء أزمة علاقة العرب بالعلوم، لكن هذا العدد من «العربي العلمي» استجاب في أكثر من موضع، لهذا السؤال. واستطراداً، يلفت أن قسم «بريد» عينه، قدّم تعريفاً لهذه المجلة بوصفها «مجلة ثقافة علمية تهدف إلى تبسيط العلوم للقارئ العادي، خصوصاً من الأجيال الشابة». وكذلك ورد التعريف نفسه في افتتاحية العدد لرئيس التحرير سليمان العسكري. ولفت العسكري إلى أن هذه المجلة «تهدف إلى نشر الثقافة العلمية في مجتمعاتنا العربية، وزيادة الوعي بأهمية العلم في حياتنا اليومية كسلاح رئيسي لصناعة المستقبل، وضرورة العلم لأي مجتمع يسعى للتقدّم». واستطراداً، يصعب تجاهل السؤال عن مسألة الثقافة العلمية في مجتمعات عالمثالثية تعيش القرن ال 21 بذهنيات وأنماط فكرية ومسارات ثقافية، لا يسهل القول إنها تتوافق مع هذا العصر فعلياً. ولعل المجلة فضّلت أن ترد بصورة إيجابية ولطيفة عن سؤال القارئ، ولم تحاول لفت النظر إلى الماضوية فيه، وهي بعد حاضر في معظم ثقافة العرب حاضراً، من دون وجود نقدٍ كافٍ لها. وفي سياق الاستجابة غير المباشرة للسؤال عن موقع العرب في العلوم، ماضياً وحاضراً (مع الفارق بين الحالين)، تضمّن العدد 14، تعريفاً بالعالِم الأميركي- المصري أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في الكيمياء في 1999، عن تصميمه آلة تعمل على مقياس ال «فيمتوثانية» وهو جزء من المليون من البليون من الثانية. إلى أي مدى «ساهم» الزويل في مسار العلوم في أميركا، وبأي معنى؟ كم اغترف من هذا العلم، وهل كان ليستطيع أن يتوصّل إلى اكتشافه من دون مؤسسات العلم الأميركي ومساراته وسياقاته؟ ألا يكفي القول إن الجامعة التي عمل فيها زويل، تنال جوائز نوبل في العلوم بصورة مستمرة؟ ألا يجدر الالتفات إلى واقعة أن زويل حاز نوبل عن اكتشاف تمحور حول أشعة الليزر، لكنه لم يكن يعلم شيئاً عن الليزر عندما وصل إلى أميركا، بحسب ما صرّح به في غير مناسبة؟ عقدة نقص بلسانٍ متفاخر تبدو حال العالِم الباكستاني محمد زمان، أستاذ الهندسة الطبيّة في جامعة بوسطن الأميركية ورئيس مختبر «التنمية والتعليم الهندسي» فيها، مشابهة لحال زويل، بل لمئات (وربما آلاف) من العقول المتألّقة التي تلتقط العلم وتندرج في مساراته، عندما تنتقل من أوطانها في العالم الثالث المتخلّف في العلوم ومؤسساتها، إلى العالم المتقدّم الذي يحوّل أصحابها علماء فعلياً. واستهلت الزميلة لمياء نايل مقابلتها مع زمان بسؤال عن علاقة عمله في أميركا وحاجات باكستان ومجتمعها. وسار المقال في سياق تقصيّ الموقع المثير لعلماء العالم الثالث ممن يعملون في البلدان المتقدّمة، في العلاقات المتشابكة والصعبة (أحياناً المؤلمة أيضاً) بين مواطن نشأتهم من جهة، والبلدان التي صيّرتهم علماء من جهة ثانية. وفي السياق عينه، يظهر مقال الزميل محمد حسام الشالاتي عن «أول رواد الطيران في التاريخ العربي الإسلامي» الذي يشير فيه إلى 3 رواد لمحاولة التحليق جوّاً هم عباس بن فرناس وإسماعيل بن حمّاد الجوهري وثالث مجهول الهوية لكنّه كرّر محاولة بن فرناس في القسطنطينية قرابة عام 1100. إلى أي مدىً يمكن القول إن هذه المحاولات الفردية (وبعضها مشكوك بأنه كان محاولة للتحليق فعلياً)، هي التي «أسّست» لعلوم الطيران الحديثة؟ ألا يبدو الأمر مبالغة؟ أليس من الأشياء التي يكرّرها العرب حاضراً، بعد أن بعدت بهم المسافة عن العلم إلى حدّ يثير الأسى، أن يتملقوا أنفسهم عبر تمجيد ماضوي يصعب التصديق بجدواه؟ إلى أي مدى يمكن اعتبار هذا الأمر نوعاً من «عقدة نقص» تتحدث عن نفسها بالتفاخر، حيال نقصها الفاضح في عيشها الفعلي حاضراً؟ وفي إطار التفاعل بين المجلة وقرّائها، احتوى العدد نفسه مقالاً عنوانه «العلماء يفكون شفرة مخ السيكوباتي» من إعداد الزميلة غادة الحلواني، مع ملاحظة أن إحدى رسائل القرّاء سألت عن مدى حضور علم النفس في مجلة «العربي العلمي».