في الوقت الذي كانت منصات مهرجان موازين تسجل أرقاماً قياسية في أعداد الجمهور (2.5 مليون متفرج)، وفق بيان صحفي لجمعية «مغرب الثقافات» المنظمة للتظاهرة، كانت صيحات بعض الفنانين المغاربة تعلو في البرلمان مستغيثة لتصحيح وضعيها الاجتماعي والقانوني. وأظهر أحمد العلوي نقيب الموسيقيين المغاربة في يوم دراسي نظّمه حزب «العدالة والتنمية» الحاكم ذي التوجه الإسلامي، أن هناك تأخراً كبيراً بخصوص الوضعية القانونية للفنانين في المغرب، منتقداً الجمعية المنظمة لمهرجان موازين لرفضها احترام حقوق المؤلف، على غرار ما هو معمول به في مهرجانات أخرى. وعلى رغم التغيير الناعم في مواقف الحزب الإسلامي تجاه «موازين» هذا العام، بعدما هاجمه العام الماضي، حرص جناحه الطالبي على تنظيم وقفة احتجاجية ضد المهرجان العريق. لكنها بدل أن توقف المهرجان، خلّفت شرخاً في صفوف أبناء الحزب الواحد، بين مؤيد ومعارض لها. وقضت المحكمة الابتدائية في الرباط بمحاكمة أربعة أشخاص، وحددت النيابة العامة 17 حزيران (يونيو) الجاري، موعداً لتقديمهم للمحاكمة بتهمة المشاركة في تظاهرة غير مرخص لها وتعنيف رجال الأمن وقطع الطريق. يقول عبد المالك زعزاع أحد المدافعين عن الشباب الأربعة، إن ما فعلوه «يدخل ضمن الاحتجاجات السلمية التي يكفلها الدستور». ويؤكد انه ومجموعة من الحقوقيين والمحامين سيُشكلون هيئة للدفاع عن هؤلاء المحتجين «ضد خرق ممارسة الحق في التعبير من طرف شباب مغاربة غيورين على قيمه ومعارضين لاحتلال إعلامه العمومي بلقطات تخدش الحياء». واعتبر الزعزاع أن «المشرفين على المهرجان يصرفون أموالاً طائلة على الغناء والرقص، فيما تحتاج فئات عريضة من المغاربة إلى تغطية حاجاتها التنموية ومطالبها الاجتماعية». من جهة أخرى، نشرت يومية «التجديد»، لسان الجناح الدعوي لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، انتقادات متتالية على صفحاتها، في ظل تغيّر مواقف الحزب الإسلامي، بقولها «إذا كان البعض يشعر بأن من حقه اليوم أن يستعمل بعض المهرجانات لصدم قيم المغاربة ببعض المظاهر المخلة، وإذا كان يشعر بأن من حق «موازين» أن توظف الفضاء العام كما تشاء، وتحظى بتمويل متنوع لا تحظى به أي جمعية أخرى في المغرب... نؤكد أن مهرجان موازين له مزايا تجارية واقتصادية لا يمكن إنكارها، كما هو الشأن بالنسبة للمخدرات والخمور والقمار». وأضافت الصحيفة: «مهرجان «موازين» يخلّف آلاماً وجراحاً في القيم والمال وهوية هذا البلد وحضارته ومستقبله، وكذلك آلاماً لضحايا حادث منصة حي النهضة في العام 2009 وما خلّفه من جراح ومآسٍ لم تندمل حتى اليوم، بل منهم طفلة لا تزال في حالة إعاقة شاملة». تتالت الانتقادات لهذه الفعالية السنوية، ومن بين المواضيع التِي أثارت النقاش العمومِي، طيلَة أيام المهرجان، الزيّ الجريء الذي ارتدته الفنانة البريطانيَّة جيسِي جِي خلال حفلتها في «موازين» التي بثت على القنَاة المغربية الثَّانيَة. وظهرت خلالها جي حليقة الرأس، متضامنة مع الأطفالِ المصابين بالسرطان. ولم يتوقفُ الجدل، بل استمرَّ حتَّى بعد مغادرة جي المغرب حيثُ صرحت المغنية البريطانية في لقاء إذاعي، بأنها التقت العاهل المغربي مباشرة بعد حفلتها من دون بروتوكول، وهو ما انبرى منظِّمو المهرجان على عجلٍ إلى نفيه. فأطلقت بعد ذلك تغريدة على حسابها على موقع «تويتر» لنفي التصريح، معتذرة عما سمته «خلطاً»، موردة أنها كانت تودّ حضور ملك المغرب إلى حفلتها، وهو ما لم يتحقّق. وقد زاد الطين بلّة، أن المغنِّي في فرقة «كنَاوَة ديفِيزيون» كاتب ياسين رفض خلال إحياء حفلته على منصة أبي رقراق، أن يحمل العَلَمَ المغربي ويلتحفه، قائلاً: «لا يمكنني أن أحمل علم حكومة ترفض أن يحمل الأمازيغ رايتهم». أما المطربة المصرية شيرين عبد الوهاب، فتلقت ردود أفعال قوية جراء عفويتها في الحفلة التي أحيتها على منصة الأغنية العربية - النهضَة، وذلك بعد ردها على شاب أراد الصعود إلى المنصة، حين كانت تبحث عن طفل صغير تغنِي إلى جانبه، بقولها: «أريد طفلاً صغيراً، أما أنت فقادر على أن تنجب الأطفال معي»! وقد جاء ختام المهرجان بمثابة الصاعقة على معارضيه، إذ اعتلت خشبة «موازين» راقصات شبه عاريات لففن أجسادهن بالعلم المغربي للاحتفاء بعيد ميلاد المغني الأميركي سيلو غرين، ما دفع البعض إلى وصف الأمر ب «تحقير رمز السيادة». أما منظمو المهرجان، فيشيرون إلى أن الدورة الثانية عشرة من «موازين» التي اختتمت ليل السبت - الأحد الماضي، شهدت إقبالاً واسعاً واستضافت ألمع النجوم من المغرب والعالم الذين وصل عددهم إلى 1500 فنان قدّموا 125 عرضاً موزعاً على سبع منصات بين الرباط وسلا». وأفاد المنظمون بأن «موازين» ليس مهرجاناً للغناء والرقص فقط، بل هو «عامل اقتصادي يساهم في الاقتصاد المغربي ويوفر 300 وظيفة». ووفق أرقام جمعية «مغرب الثقافات»، فقد بلغت ميزانية المهرجان هذه السنة 59 مليون درهم. ويؤكد عزيز داكي المدير الفني ل «موازين»، أن المهرجان لم يستفد منذ 3 سنوات من دعم الدولة. إلا أن مصادر مطلعة تقول إن «تكلفته تتجاوز 60 مليون دولار، في حال احتُسبت مصاريف ما تحت الطاولة». وأثير جدل آخر حول الإصرار على عقد مهرجان «موازين» في فترة الاستعداد للامتحانات المدرسية والجامعية التي تتزامن مع فترة الكساد الفني. واعتبر البعض أن المهرجان «محكوم بمنطق حساب مالي واقتناص لحظة الفراغ وتعويضها لهؤلاء الفنانين على حساب التحصيل الدراسي لأبناء المغاربة». لكن الجهة المنظمة لمهرجان «موازين» تدرس تغيير تاريخ إقامته، على أن تقام الدورة المقبلة كما تردّد، خلال حزيران (يونيو) 2014 عوض نهاية أيار(مايو). وذلك رغبة من إدارته في عدم تزامنه مع فترة استعداد التلاميذ والطلبة لامتحانات نهاية السنة الدراسية، خصوصاً أن جمهور المهرجان معظمه من الشباب.