مطلع كل صيف، ينتظر سكان مدينة الصويرة المغربية وضيوفها الأجانب نزول فرق موسيقى كناوة الى شوارع وأزقة المدينة التاريخية المطلة على المحيط الأطلسي. تتم العملية بلا مقاومة، وتستسلم المدينة لأسيادها الجدد ليغيروا تفاصيل الحياة اليومية للمدينة الهادئة بموسيقاهم الشعبية ذات الأصول الافريقية البربرية والعربية المحملة بعبق الأساطير والمعتقدات الدينية القديمة، وبرقصاتهم المعروفة ب «لجذبة»، مجسدين انفتاح المدينة البحرية على مختلف الثقافات. مجموعات كناوة وحمادشة وعيساوة قدمت عرضها الافتتاحي التقليدي، بطريقتها الخاصة، لدى انطلاق الدورة ال 12 ل «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، فلم تنتظر أن يأتي إليها الجمهور، بل ذهبت إليه حيث يقيم بين الأزقة والشوارع، تطرق أسماعه بإيقاعات موسيقاها القوية على آلات القراقب والكمبري والطبل، وتخلب نظراته برقص تتصاعد حركاته البهلوانية المثيرة كلما ازداد إيقاع الموسيقى سرعة وقوة. وفي ساحة مولاي الحسن، قدم المعلم محمود غينيا عرضاً موسيقياً مع مجموعة «أفوكسي لوني» البرازيلية المقيمة في ألمانيا التي تستلهم موسيقاها من إرث ديانة «الكندومبلي» وتقلد طقوسها التطهيرية. وتواصلت حفلة الافتتاح بعرض قدمه المعلم مصطفى باقبو بالاشتراك مع مجموعة «سكسن» الفرنسية. وجسد شعار الدورة الحالية «اللقاء والتعارف المتبادل بين عوالم موسيقية وجغرافية» مضمونه الموسيقي المتنوع بين كناوة والجاز والفيزيون والراي والموسيقى الشعبية الخالدة والعصرية، وبحضور أشهر أسماء كناوة، مثل المعلم محمود غينيا والمعلم مصطفى باكو وعبدالسلام عليكان ومحمد كولو وعبد النبي الكداري، والمعلم حميد القصري ومغني الراي الجزائري الشاب خالد والأوركسترا الألمانية لراديو «ويست دوتش ريندفونك»، ومجموعات «ستيفان بلموندو» من فرنسا و «سولو سيسوكو» من السنغال و «كونغو نايشن» التي يقودها الأميركي المعروف هاريسون... ومجموعة «ناس الغيوان» وحميد بوشناق وفناني الجيل الجديد ك «بلوز موغادور» و «مازاغان» و «دي جي أونس» و «دي جي هاكس». أربعة أيام مختلفة عن سائر الأيام مع كناوة، في المدينة التي استقبل ميناؤها البحري أوائل الأفارقة العبيد الذين اسقدمتهم الإمبراطورية المغربية في القرن 16 الميلادي من السودان الغربي، وهو دولة مالي الحالية. لذلك تحيل تسميتهم كناوة المحرفة إلى اسمهم الأصلي كينيا (غينيا)، وكانوا يسمون «عبيد غينيا»، لكن هذه التسمية اندثرت باندماجهم الكلي في المجتمع المغربي. وها هم يغزون العالم من جديد بمهرجان حمل موسيقاهم وثقافتهم إلى العالمية، وجلب إليهم كبار الموسيقيين العالميين وعشاق الموسيقى الصوفية الممتزجة بالمعاناة التاريخية للعبيد، ينهلون من إيقاعاتهم ويمزجونها بموسيقاهم. وبات ملتقاهم علامة مميزة لمدينة الصويرة وفرصة مميزة لوسائل الإعلام الدولية لنقل تراث فني موغل في القدم، يستعيد أساطير ومعتقدات دينية بدائية، ويستلهم طقوسها السحرية الغريبة، وهي حفلات موسيقية تمتد طيلة الليل.