أضرم متظاهرون في مدينة معان جنوب الأردن النار بمقار حكومية وسيارات عامة، وخاصة لليوم الثالث على التوالي احتجاجاً على مقتل 3 شبان الأسبوع الماضي برصاص الشرطة، ما دفع الحكومة إلى إرسال تعزيزات أمنية مكثفة إلى المدينة الصحراوية. وقال شهود ل «الحياة» إن مئات المتظاهرين الغاضبين بسبب امتناع السلطات عن كشف هوية القاتلين، خرجوا إلى الشوارع وأضرموا النار في مبنى البريد وشركات عامة. وأضافوا أن مركز الشرطة الذي يخدم المدينة تعرض ظهر أمس إلى هجوم بالأسلحة الرشاشة هو الأول من نوعه، ما أدى إلى إصابة دركي ومواطن، فيما سمعت أصوات عيارات نارية داخل مناطق مختلفة من المدينة لم يعرف مصدرها. وجابت سيارات قوى «المهام الخاصة» التابعة لجهاز الدرك شوارع المدينة التي أغلق المحتجون وسطها منذ ساعات الصباح الأولى، وأطلقت الغاز المدمع والرصاص الحي في الهواء لتفريق المحتجين الذين لاذوا بالشوارع الفرعية. كما أطلق المحتجون النار بكثافة، وهددوا مواطنين بضرورة إغلاق محالهم استجابة لدعوة العصيان المدني التي شهدتها المدينة منذ الصباح، والتي أعلنها زعماء قبائل أمهلوا السلطة المركزية يومين حتى يتم الكشف عن هوية القاتلين. وبدت شوارع معان خالية صباح أمس، إذ أغلقت المحال التجارية والمخابز والصيدليات أبوابها، إضافة إلى بعض الدوائر الحكومية والخاصة. وتعتبر المدينة معقلاً قبلياً يسكنه نحو 60 ألف شخص، وتقع على بعد نحو 250 كيلومتراً جنوبي عمان، ويعرف عنها تحديها لقوة الدولة. وقال أحد الشهود محمد البزايعة: «ألقوا الحجارة وأشعلوا إطارات المركبات في الشوارع الرئيسة». وأضاف آخر يدعى صالح آل خطاب: «أضرمت جماعات ملثمة النار في مبنى البريد ومؤسسات عامة وخاصة، كما أحرقت أعمدة الاتصالات الخشبية، وتعرضت أسلاك الكهرباء إلى العبث، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن أحياء كاملة». وأكد مسؤولون أمنيون ل «الحياة» وقوع اضطرابات عنيفة واستخدام قنابل الغاز لتفريق محتجين هاجموا ممتلكات حكومية، وألحقوا أضراراً بمتاجر خاصة. وبينما قالت مديرية الأمن العام الأردنية إن القتلى الثلاثة «مطلوبون خطرون قتلوا إثر اشتباكات تلت اقتحامهم محاجر لدى محافظة العقبة الجنوبية»، أظهرت مقاطع فيديو تداولها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي قيام أشخاص بقتلهم على خلفيات ثأرية. لكن الأمن العام شكك في صحة المقاطع، وقال إنه جرى «تركيب الصوت على الفيديو»، ونفى أن يكون القتل جرى على خلفيات ثأرية بين أبناء معان وعشائر تمثل البادية الجنوبية. وكانت جامعة «الحسين» الحكومية في معان شهدت قبل شهر أعمال عنف واسعة قتل فيها 4 شبان وجرح العشرات إثر نزاع دموي بين طلاب يمثلون عشائر معان وآخرين يتحدرون من الصحراء الجنوبية، يمثلون عشائر الحويطات القوية. ووجهت جهات رسمية وأهلية مناشدات إلى عشائر معان والصحراء لتغليب صوت العقل وعدم الانجرار وراء مواجهة تزيد حجم التوتر والاحتقان. وفاجأ أحد بدو الحويطات العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أمس، عندما ناشده باكياً «حل القضايا العالقة في معان والبادية». وقال المواطن الذي التقى العاهل الأردني أثناء اجتماع عقد لإطلاق برنامج حكومي يحمل شعار «التمكين الديموقراطي»، إن معان «تعيش أسوأ أيامها... إنها تحترق فيما رجالات الدولة يتفرغون لحضور الجاهات والاحتفالات وطلب العرائس». وأضاف: «العصابات المسلحة تنتشر في الشوارع. المواطنون يشعرون بالخوف والقلق. نخشى أن ينتقل الإرهاب من معان إلى عمان (العاصمة) لا سمح الله، عندئذ سينتهي الأردن وتعم الفوضى». وكان رئيس الحكومة الأردنية عبد الله النسور قال في مقابلة سابقة مع «الحياة»، إن أياد خارجية «تحاول أن تعبث بأمن الأردن، وإننا نرى وقوداً وتأزيماً، من أجل إحلال الفوضى». وكانت معان التي تعاني الفقر والتهميش مسرحاً لاضطرابات عشائرية شابتها أعمال عنف خلال السنوات الأخيرة، وينشط بين سكانها سلفيون جهاديون موالون لتنظيم «القاعدة» يحمل العديد منهم الأسلحة ويقاومون ضغوطاً لإلقائها. ويزداد العنف العشائري في الأردن بمرور الوقت، إلا أنه أصبح أكثر تكراراً خلال الأسابيع والأيام الماضية. وتمثل النزعة العشائرية إحدى أبرز الأعراض الخاصة بضعف سيادة الدولة في الأردن، إلى جانب القوانين والتشريعات التي من شأنها أن تمزق المجتمع وفق انتماءات وولاءات ضيقة.