على بعد 120 كيلومتراً جنوب العاصمة الأردنية عمان، اتشحت مدينة الكرك وهي معقل عشائري كبير، بالسواد حزناً على شاب عشريني أعلنت السلطات مقتله داخل حرم إحدى الجامعات الحكومية. وكانت أعمال عنف دامية اجتاحت مؤسسات تعليمية أردنية قبل أيام، وقفزت بظاهرة الشغب الطالبي إلى صدارة المشهد، منذرة بضرب الاستقرار والسلم الأهليين. وسرعان ما ساد الغضب المدينةالجنوبية التي تعتمد على الزراعة وتعاني التهميش، كما هي الحال في معظم مناطق الريف الأردني. فاتساع رقعة الفقر، واستشراء الغلاء، وانعدام الخدمات، عوامل دفعت أبناءها لكسر الطوق المفروض عليهم, وجاءت وفاة الشاب الكركي أسامة دهيسات طالب الهندسة في جامعة «مؤتة» لتصب الزيت على النار. والواقع أن الخبر كان صادماً لعموم الأردنيين وليس لأبناء منطقة الكرك فحسب، وتناقلت المواقع الإلكترونية عبارات وداعية صاغها الأخير قبيل وفاته بساعات، على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك». ونشرت على الصفحات الإلكترونية صوراً تحكي مشاهد متفرقة عن محطات حياته القصيرة، وشهادات أصدقاء، رأوا في ذكرى رحيله «يوماً أسود في تاريخ التعليم العالي». وعاد الشغب القائم على تصفية خلافات قبلية وجهوية، ليلقي ظلالاً ثقيلة على جامعات الأردن. وسيطرت الفوضى على قاعات التدريس وساحاتها، احتجاجاً على نتائج انتخابات المجالس الطالبية، التي أظهرت تفوق قوى عشائرية على أخرى. وعادة ما تقسم الساحات والشوارع الجامعية في الأردن بين القبائل الكبيرة والتحالفات العشائرية، وعندما يحين موعد الانتخابات الطالبية، تتحول هذه التجمعات إلى مناطق استقطاب ساخنة. وفي جامعات أخرى تجري الاجتماعات داخل دواوين عشائرية بحضور متنفذين عنها يقدمون المشورة والدعم والمتابعة، وهو ما ذهبت إليه دراسة أكاديمية طويلة، طرحها الباحث الاجتماعي باسم الطويسي قبل أيام، وتطرقت لاتساع ظاهرة العنف الجامعي في البلاد. ووصف مراقبون المشاجرات التي أدت لتعليق الدراسة في بعض الجامعات بأنها «معارك مجنونة»، استخدمت فيها السلاح الأبيض، وحجارة، وشهدت إطلاق عيارات نارية في محيط جامعات عدة، وفق ما أوردته تقارير أمنية. وكشفت هذه التقارير استخدام قوات الشرطة الغاز المسيل للدموع، لتفريق الأطراف المتشاجرة. وأظهر شريط مسجل بثته مديرية الأمن الأردنية مسدسات وخناجر حادة، وطلاباً ملثمين يحملون بلطات، كمحصلة لإحدى المشاجرات، التي سقط فيها عشرات الجرحى. وسيطرت هذه الأحداث على اهتمامات وسائل الإعلام المحلية بأشكالها كافة، فرأى معلقون سياسيون ومختصون اجتماعيون أن الجامعات الأردنية، تحولت إلى مؤسسات «تفرخ قتلة وتصدر التعصب والكراهية». وانتهى الشغب الذي استمر أياماً، عندما وقع زعماء عشائر مع السلطات هدنة، لتهدئة الغضب بين مختلف الأطراف. ويعتبر العنف الجامعي في الأردن أحد أبرز القضايا المتصاعدة. وتحاول جهات أهلية ورسمية وضع حلول لها، وسط قيام مؤسسات مجتمع مدني بتحميل المسؤولية لأجهزة الأمن، بسبب «تدخلاتها المستمرة في شؤون الجامعات وأسس قبول الطلاب». وارتفع عدد المشاجرات الجامعية في المملكة عام 2012 إلى نحو 80 مشاجرة، بعد أن بلغت 61 في 2011 و31 في 2010. ويضم الأردن حوالى 30 جامعة منها 9 رسمية وتعتبر الأعلى في حجم العنف الجامعي. وكانت جامعة البلقاء التطبيقية شهدت في 2010 وفاة طالب، ما أدى لموجة عنف اجتاحت مدينة السلط ذات التركيبة العشائرية (غرب عمان). ولطالما اتهمت المعارضة الطالبية أجهزة الدولة بتحويل المؤسسات التعليمية إلى ملف أمني، من خلال تعيين رؤساء الجامعات والهيئات التدريسية وفق أسس الولاء لنفوذها. وقال الناشط فاخر دعاس، المسؤول عن حملة خاصة بحقوق الطلاب، إن «عدد المشاجرات الجامعية وصلت العام الحالي إلى نحو 40 مشاجرة كبيرة». وأضاف أن «تنمية الدولة للعشائرية على حساب الحزبية والهم الوطني، زاد الطين بلة». وثمة من رأى أن التوسع في القبولات الاستثنائية والمكرمات، بما يتجاوز الأهداف التي وضعت من أجلها، عزز تنامي الظاهرة، فصار بوسع أي طالب اللحاق بمقعد الدراسة، بغض النظر عن تحصيله أثناء المرحلة الثانوية. وقال وزير التعليم الأردني أمين محمود: «ينبغي عدم السكوت على الأحداث الجارية». وأضاف: «لا بد من تجاوز الاختلالات التي تشهدها جامعاتنا». لكن استمرار العنف داخل الجامعات بات مثار قلق الأسر على مصير أبنائها. وقالت باسمة العمري: «أترقب عودة ولدي من الجامعة بفارغ الصبر... الأوضاع المتردية داخل مؤسساتنا التعليمية، لطمتنا على وجوهنا». وقال ولدها معتز الذي يدرس العلوم الإنسانية في إحدى جامعات الأطراف: «المشاجرات الطالبية باتت حدثاً روتينياً وعادياً»، والسبب برأيه، أنه «لا يوجد ما يردع الطلاب»، لأن «الواسطة باتت تنهي كل المشاكل، والعقاب غير كاف». وتكمن المشكلة بحسب عضو هيئة تدريسية في جامعة اليرموك (شمال عمان) فضل عدم ذكر اسمه، «في أن عمداء شؤون طلاب ورؤساء جامعات يعتقدون أن دورهم يتمثل بالوسيط العشائري، إذ يجلبون عدداً متساوياً من أبناء العائلات المتناحرة ويجلسونهم مقابل بعضهم بعضاً، لكي يتقاضوا ويتفاهموا». ورأى الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية لدى الجامعة الأردنية محمد أبو رمان، أن «الانهيارات التي تتعرض لها المؤسسات التعليمية جزء مما يشهده المجتمع، من تعظيم للهويات الفرعية، وانتشار البلطجة، والسلاح، والتعدي على القانون، والاحتماء بالانتماءات البدائية... كل ذلك نجده في الجامعات كما المجتمع والبرلمان». وكانت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أجريت في ظل قانون انتخابي يعطي هو الآخر صوتاً مسموعاً للعشائر على حساب الناخبين من ذوي النزعات السياسة. وشهد البرلمان أخيراً مشاهد مشابهة بين بعض نواب العشائر، حاول أحدهم خلالها سحب مسدسه على معارضيه تحت القبة، إلا أن بعض النواب نجحوا في تهدئة الموقف.