ردت ليبيا مجدداً أمس على اتهامات بأن أراضيها تحوّلت إلى ملجأ لجماعات إرهابية تعمل على زعزعة أمن دول الجوار، وهي اتهامات صدرت في الأيام القليلة الماضية عن قادة تشاد والنيجر وكررها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس من نيامي أول من أمس. وذكرت وكالة الأنباء الليبية، أن رئيس الحكومة الموقتة علي زيدان فنّد أمس «مزاعم بأن العناصر التي نفّذت أعمال التفجير في النيجر خرجت من ليبيا»، داعياً سلطات النيجر «إلى أن تكون في مستوى المسؤولية والحرص معنا على إقامة علاقات أخوية وودية يسودها الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية». وجاء موقفه بعدما قالت سلطات نيامي إن المهاجمين الذين نفذوا في الأيام الماضية هجمات دموية في مدينة أغاديز وضد منشأة اليورانيوم الفرنسية في أرليت جاؤوا من الأراضي الليبية. وأكد زيدان، وفق ما نقلت عنه الوكالة الليبية، «أن ليبيا على يقين بأنه لا يوجد أي عناصر خرجت من ليبيا وقامت بأعمال التفجير في النيجر». وقال في مؤتمر صحافي عقده في ديوان رئاسة الوزراء في طرابلس: «أرجو من إخواننا في النيجر أن يكونوا في مستوى المسؤولية والحرص معنا على علاقات حسن الجوار... علاقات ودية وأخوية واحترام متبادل من دون تدخل في الشؤون الداخلية، ونحن أكدنا لهم في زياراتنا حرصنا على هذه العلاقات، ونأمل أن يحرصوا على هذا الأمر، ومددنا يد السلام، ونحن صادقون». ونبّه زيدان «الجميع إلى أن يثقوا في أن ليبيا ليست في حال ضعف حتى يستهدفها أي أحد، وإذا وجدنا أن الأمور تقتضي منا أن نبدي أي أمر تقتضيه الحالة فسنبديه ونحن قادرون». وتابع: «إذا كان هناك أحد حريصاً على أن يبقى القذافي أو جماعته في ليبيا فهذا أمر قد ولى ولن يكون»، في إشارة إلى أن نظام العقيد الراحل معمر القذافي ولّى إلى غير رجعة. ووجّه زيدان «رجاء» إلى الرئيس النيجري محمد يوسف ووزير خارجيته وكافة أركان الدولة في النيجر «بأن ليبيا وحكومتها حريصة على علاقة ودية، وعلاقة صداقة واحترام لهذا الشعب الشقيق والجار والمسالم الذي نكن له كل التقدير والاحترام، ونتمنى أن تساهم ليبيا في تخفيف الأزمة الاقتصادية في هذه الدولة سواء بالعمالة أو بالتعاون بيننا وبينهم، ولكن في إطار من الاحترام المتبادل والمراعاة». وأعرب عن أمله في أن «يتفهم الإخوة في النيجر مطلب الشعب الليبي في تسليم عناصر النظام السابق الموجودة في النيجر سواء الساعدي القذافي أو عبدالله منصور أو علي كنه إلى السلطات الليبية بأسرع وقت ممكن عن طريق البوليس الدولي والجهاز القضائي الليبي»، معتبراً أن هذا الأمر سيكون «بوابة العلاقة الودية مع ليبيا». وأشار في هذا الصدد إلى أن سيف الإسلام القذافي والبغدادي المحمودي وعبدالله السنوسي، الموقوفين في ليبيا «يحظون بوضعية سجن محترمة ووفق المعايير الدولية». وصدر موقف زيدان بعدما حض وزير الخارجية الفرنسي فابيوس من نيامي، الثلثاء، الدول الأفريقية على بذل جهود منسقة للتصدي للتهديد المتنامي للإسلاميين في صحراء الجنوب الليبي. ونقلت «رويترز» عن فابيوس قوله خلال زيارة للنيجر حيث هاجم انتحاريون منجماً لليورانيوم تديره شركة فرنسية الأسبوع الماضي، إن هناك علامات على أن جنوب ليبيا الذي يفتقر للقانون بدأ يتحول إلى ملاذ آمن للجماعات المتشددة في منطقة الصحراء الكبرى. وأضاف بعد اجتماعه مع رئيس النيجر: «يتعين علينا في ما يبدو أن نبذل جهداً خاصاً بشأن جنوب ليبيا وهو ما تريده ليبيا أيضاً. تحدثنا بشأن المبادرات التي يمكن الدول المجاورة القيام بها بالتنسيق مع ليبيا». وأنهت حملة عسكرية بقيادة فرنسا استغرقت خمسة أشهر سيطرة الإسلاميين على ثلثي مالي من ناحية الشمال وأسفرت عن مقتل مئات المقاتلين المرتبطين ب «القاعدة» ودفعت آخرين للفرار إلى الدول المجاورة. وأوردت «رويترز» أن النيجر تقول إن الإسلاميين الذين نفذوا الهجوم المزدوج الخميس الماضي على منجم تابع لشركة اريفا وثكنة عسكرية وأسفرا عن مقتل 25 شخصاً عبروا الحدود من ليبيا. وأصبحت ليبيا طريقاً لتهريب الأسلحة لمقاتلي «القاعدة» في منطقة الصحراء الكبرى منذ سقوط معمر القذافي في 2011. وتقول مصادر أمنية إن القائد المخضرم في القاعدة مختار بلمختار حصل على أسلحة هناك، وإن مقاتليه استخدموا المنطقة كطريق للمرور قبل عملية احتجاز رهائن في محطة للغاز في الجزائر في كانون الثاني (يناير) الماضي. وكان البرلمان الليبي أعلن الجنوب منطقة عسكرية في كانون الأول (ديسمبر) لكن حراسة الحدود لا تزال مهمة مضنية بالنسبة إلى القوات الليبية الضعيفة. وأعلن بلمختار وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا مسؤوليتهما معاً عن الهجمات التي وقعت الأسبوع الماضي في النيجر. وكانت الحركة جزءاً من تحالف المتشددين الذي سيطر على شمال مالي العام الماضي. على صعيد آخر، أوردت «فرانس برس» من نجامينا، أن وزارة الخارجية التشادية أعلنت الأربعاء أن مجهولين قتلوا مواطناً تشادياً ليلة الأحد - الإثنين داخل القنصلية التشادية في مدينة سبها بجنوب ليبيا. وأوضحت الوزارة في بيان أن «مسلحين تسلقوا جدار قنصلية تشاد في سبها بليبيا واغتالوا ببرودة مواطناً تشادياً كان داخلها». واضاف البيان أن «الضحية واسمه عيسى عبدالكريم شوكو (...) كان يعمل في بلدية بنغازي منذ 15 سنة، وكان يزور سبها وفاجأه المهاجمون في نومه». وأشار إلى أنه «قبل هذه الجريمة رُسمت كتابات معادية لتشاد على جدار القنصلية». وأعربت تشاد في بيانها عن «قلقها الشديد من العداوة المتزايدة التي يتعرض لها مواطنوها في ليبيا» مطالبة ب «ضرورة حمايتهم». وحمّلت «السلطات الليبية كل ما قد يتعرض اليه التشاديون المقيمون في ليبيا». وتقع مدينة سبها على بعد 800 كلم من طرابلس في واحة وسط الصحراء. وكان الرئيس التشادي إدريس دبي اتهم ليبيا بإيواء مجموعات مسلحة مناوئة لنظامه، وهي تهمة نفتها طرابلس. في غضون ذلك، ذكرت وكالة الأنباء الليبية أن مجموعة مسلحة «اعتدت» الليلة قبل الماضية على أفراد الحراسة الأمنية في جزيرة حي السلام بمدينة بنغازي، «ما أسفر عن استشهاد اثنين من عناصرها»، لكن وكالة «رويترز» أوردت أن القتلى هم ثلاثة جنود إضافة إلى ثلاثة جنود جرحى. وأفاد الناطق باسم رئاسة الأركان العامة العقيد علي الشيخي «وكالة الأنباء الليبية»، أن «مجموعة مسلحة كانت تقود سيارة مسرعة» قامت في ساعة متقدمة ليلة الثلثاء - الأربعاء بإلقاء قنبلة يدوية على أفراد الحراسة التابعين للغرفة الأمنية المشتركة، «ما أسفر عن استشهاد عنصرين وإصابة عدد آخر منهم بجروح». وأوضح أن الأجهزة المعنية «شرعت بإجراء التحقيقات الأولية في هذا الاعتداء لكشف هذه المجموعة وتقديمها للعدالة». ونقلت «فرانس برس»، من جهتها، عن مسؤول أمني، أن الجنود الذين تعرضوا للهجوم في بنغازي ينتمون إلى «كتيبة الخندق».