أعلنت الجزائر أمس إلغاء زيارات لفرنسا كانت مقررة هذه السنة لمسؤولين في مقدمهم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، احتجاجاً على إعادة باريس فتح ملف الاتهامات للجيش الجزائري بقتل سبعة رهبان فرنسيين خطأ في العام 1996. وفي وقت كانت الجزائر وباريس تتفاوضان لتجاوز الملفات الخلافية بينهما، وعلى رأسها هذه الاتهامات التي طلب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التحقيق فيها الشهر الماضي، فاجأ قاضي تحقيق فرنسي الحكومة الجزائرية بتوجيه طلب إلى وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في بلاده، لرفع السرية عن التحقيقات العسكرية في مقتل الرهبان، ملمحاً إلى ممارسة الجزائر «ضغوطاً سياسية» للتعتيم على القضية. وتزيد هذه الخطوة من تدهور العلاقات المتأزمة بين الجزائر وباريس، خصوصاً في غياب أي لقاء رسمي رفيع بين مسؤولي العاصمتين «المتخاصمتين» على أكثر من صعيد. وألقت الجزائر بكامل ثقلها الديبلوماسي لدى فرنسا في الأيام الماضية لوقف «الحملة التي تستهدف المؤسسة العسكرية» في قصة مقتل رهبان دير تيبحرين في ولاية المدية (100 كلم جنوب العاصمة). وأبلغت الجزائر أمس الفرنسيين بإلغاء الزيارة المرتقبة للرئيس بوتفليقة التي أرجئت ثلاث مرات خلال العام الجاري بسبب خلافات ظهرت من حين إلى آخر. وكان ساركوزي وجه دعوة قبلها بوتفليقة لزيارة باريس في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وتثير عودة اللغط في شأن مقتل رهبان المدية حساسيات شديدة في الجزائر. وكان بوتفليقة رد الأسبوع الماضي بنبرة استياء على دعوة ساركوزي إلى «كشف الحقيقة» في القضية. وقال في احتفال لمناسبة ذكرى ثورية، إن الجدل الذي أثير في فرنسا عن مسؤولية الجيش «لا يساهم في بناء علاقات طيبة». وأضاف أن «الثورة الجزائرية التزمت القوانين السائدة في الحروب، أما فرنسا فاستهترت بكل قيم الإنسانية» خلال احتلالها الجزائر. وكشفت تقارير جزائرية أمس أن التوتر الذي يخيم على العلاقات الثنائية بين البلدين منذ شهور يصعّب من عملية التحضير لهذه الزيارة الحساسة، خصوصاً بعدما أرسل قاضي التحقيق الفرنسي مارك ترفيديتش قبل بضعة أيام خطاباً إلى وزارات الدفاع والداخلية والخارجية يطلب تسليمه أي وثائق سرية حصلت عليها في ما يخص ملف الرهبان السبعة. وظهرت تفاصيل جديدة، منها أن تحقيقاً قضائياً في الحادثة انطلق في العام 2004، أي بعد ثماني سنوات من اغتيال الرهبان. واعتبر القاضي ترفيديتش ان «التأخر في فتح تحقيق يمكن أن يكون نتيجة ضغوط سياسية حتى لا تتضرر العلاقات بين الجزائروفرنسا». وكان محامي عائلات الرهبان باتريك بودوان طالب بأن يبادر قاضي التحقيق إلى طلب رفع الطابع السري العسكري عن الملف عندما فجّر الجنرال فرانسوا بوخفالتر الملحق العسكري السابق في السفارة الفرنسية لدى الجزائر، القضية في 25 حزيران (يونيو) الماضي، حين نقل عن ضابط جزائري لم يكشف اسمه ان الرهبان السبعة قتلوا «من طريق الخطأ» في قصف جوي للجيش الجزائري على مواقع «الجماعة الإسلامية المسلحة».