اعترفت الحكومة الألمانية أخيراً بأن الاقتصاد دخل مرحلة نمو بطيء مغايرة في شكل لافت نسبياً للتوقعات السابقة. وأعلن وزير الاقتصاد والطاقة الاتحادي زيغمار غابرييل، عن «خفض واضح لمعدل النمو المتوقع نهاية العام الحالي من 1.8 إلى 1.2 في المئة، ومن 2 إلى 1.3 في المئة لعام 2015». وقال إن اقتصاد ألمانيا «لم يعد في وضع جيد كما كان في فصل الربيع»، مشيراً إلى أن حكومته «وجدت ضرورة في خفض معدلات النمو العالية التي كانت توقعتها». وأوضح غابرييل في مؤتمر صحافي، أن الاقتصاد الألماني «موجود حالياً وسط ركود اقتصادي خارجي شديد»، في تلميح إلى الأزمة المالية المستمرة في أوروبا، وإلى دخول اقتصادي فرنسا وإيطاليا في مرحلة انكماش، وإلى استمرار النزاع المسلح في الشرق الأوسط وأوكرانيا، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية المتخذة ضد روسيا، ما ساهم في خفض الصادرات الألمانية. وعلى رغم ذلك، شدد الوزير الألماني «على الوضع الجيد لسوق الاستهلاك الداخلية»، لافتاً أيضاً إلى أن وضع سوق العمل «لا يزال قوياً». وطمأن مواطنيه إلى أن عدد العاملين «سيسجل العام المقبل رقماً قياسياً يبلغ 42.8 مليون عامل وموظف». ولم يستبعد «حصول زيادات على الأجور يصل معدلها الوسطي إلى 2.6 في المئة هذه السنة، وإلى 2.7 في المئة العام المقبل». وخفف غابرييل من قلق كثر قائلاً: «على رغم الكبوة الاقتصادية، إلا أن معدلات النمو التي ستحققها ألمانيا هذه السنة وفي 2015، ستكون الأعلى في منطقة اليورو». ومقارنة بعامي 2012 و2013، حيث نما الاقتصاد الألماني بنسبة 0.7 و 0.4 في المئة على التوالي فقط، فإن الحصيلة المتوقعة لهذه السنة (1.2 في المئة) والعام المقبل (1.3 في المئة) ستكون أفضل كثيراً. وكانت مجموعة من أهم معاهد البحوث الألمانية حمّلت الحكومة الألمانية في «تقرير الخريف» السنوي الصادر مطلع هذا الشهر، مسؤولية تراجع النمو، إذ اعتبرت أن قرارات تحديد حد أدنى للأجور، ورفع علاوة الأمومة والسماح لفئة عمالية بالتقاعد في سن 63 التي أقرت في فصل الربيع الماضي، عوامل «جعلت المستثمرين يمتنعون عن الاستثمار في شكل أكبر مما كان معتقداً». لكن خبراء آخرين لفتوا إلى أن مؤشري النمو المعتمدين في البلاد والصادرين عن معهد بحوث الاقتصاد الألماني في ميونيخ «إيفو»، وعن معهد البحوث الأوروبية في مانهايم «زد إي في»، كانا باشرا الإشارة منذ أشهر إلى «تباطؤ النمو في البلاد وفي منطقة اليورو». وفيما تراجع مؤشر النمو وفق معهد «إيفو» في أيلول (سبتمبر) الماضي للمرة الخامسة على التوالي، سجّل مؤشر النمو في المعهد الثاني في الشهر الجاري تراجعاً للشهر العاشر على التوالي، ما يعني في رأي بعضهم أن لأزمة النمو أسباباً أبعد وخارجية أيضاً ربما تكون الأقوى. ورأى معهد «ايفو»، أن «عدم التوازن الجيوسياسي في العالم يؤثر سلباً في ثقة أرباب العمل في أوضاع الاقتصاد». وأعلن رئيس المعهد هانس فرنر زِن، أن محرك النمو الألماني «فقد عملياً دورانه السريع». وإذا أخذ المرء في الاعتبار تقارير صندوق النقد الدولي الدورية عن النمو في الاقتصاد العالمي، يتبين أن القدرة الشرائية في دول صناعية وصاعدة وفي مقدمها الصين، تراجعت في شكل ملحوظ، ما خفّض الطلب على الإنتاج الألماني. من هنا يمكن فهم أسباب تعرض الصادرات الألمانية إلى هزة شديدة في آب (أغسطس) الماضي، إذ انخفضت الطلبات في دفاتر الشركات الألمانية من الخارج بنسبة 9.9 في المئة، ومن منطقة اليورو بنسبة 5.7 في المئة عنها في تموز (يوليو) الماضي، فيما بلغ الانخفاض من الداخل 2 في المئة.