أظهر التراجع الخامس على التوالي لمؤشر معهد البحوث الاقتصادية «إيفو» الصادر قبل يومين في ميونيخ، والذي ينظر إليه الخبراء على أنه أهم مؤشر اقتصادي موثوق في البلاد، نظرة سلبية إضافية لأوضاع أرباب العمل الراهنة كما لتطلعاتهم على المديين القريب والمتوسط. وفي العادة يكفي تسجيل تراجع المؤشر ثلاثة أشهر متتالية لكي يبدأ الحديث عن منعطف سلبي في مسيرة النمو في البلاد. وانخفض مؤشر الأجواء في المعهد بعد استطلاع 7000 شركة في البلاد من من 106.3 إلى 104.7 نقطة، وهو أدنى حدّ يصل إليه خلال أكثر من سنة، بعد أن كان تراجع من 108 إلى 106.3 نقطة في أواخر آب (أغسطس) الماضي. أما مؤشر التوقعات للأشهر الستة المقبلة فهبط بدوره للمرة الثالثة على التوالي. وبدوره أعلن مركز البحوث الأوروبية «زد إي في» في مانهايم أواسط الشهر الجاري، تراجع مؤشره للنمو للشهر التاسع على التوالي من 8.6 إلى 6.9 نقطة. ويستطلع المعهد حوالى 400 محلل ومؤسسة استثمارية في البلاد عن توقعاتهم حول النمو وتطور سوق المال على المدى المتوسط. ومما لا شك فيه أن تسجيل الاقتصاد الألماني في الربع الثاني من العام الجاري نمواً سلبياً من 0.2 في المئة بعد نمو باهر من 0.8 في المئة تحقق في الربع الأول، ما أحدث صدمة وقلقاً لدى كثير من الاقتصاديين، وعكس موجة انعدام ثقة وتردد لدى الشركات في تنفيذ خطط التوسع في الأشغال ومزيد من الاستثمار فيها. وفيما أكد رئيس معهد «إيفو» هانس فرنز زِن «أن الاقتصاد الألماني يواصل فقدان زخمه، وأن الشركات أصبحت أقل ارتياحاً إلى أوضاع أعمالها الراهنة وأكثر تشاؤماً في ما يخص توقعاتها للأشهر المقبلة»، أفاد معهد مانهايم أن الأوضاع العامة المحيطة بألمانيا «لا تزال تتسم بعدم وجود استقرار كبير»، في تلميح إلى أزمة أوكرانيا المستمرة، وإلى أزمات العراق والشرق الأوسط، إلى جانب الأزمة المالية المستمرة في أوروبا ودخول فرنسا وايطاليا أخيراً في مرحلة ركود وانكماش. ولفت معهد «إيفو» الانتباه إلى أن قلق الاقتصاديين من المستقبل «يعني تراجع استثماراتهم أو التخلي عنها، ما يستتبع شطب فرص عمل جديدة». وأشار معهد مانهايم الى أن خبراء المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي والتنمية، خفّضواً أخيراً معدلات النمو المتوقعة لألمانيا من 1.9 في المئة هذه السنة و2.1 في المئة السنة المقبلة إلى 1.5 في المئة في كل منهما. كما أعلنت نقابة المصارف الألمانية الاتحادية ومعهد البحوث الاقتصادية «دي إي في» في برلين أواسط الشهر الجاري، عن خفض كل منهما معدل النمو الذي كان يتوقعه للاقتصاد الألماني هذا العام من 1.8 إلى 1.5 في المئة. أما بالنسبة لعام 2015 فخفض المعهد نسبته المتوقعة للنمو من 2 إلى 1.8 في المئة فيما خفضتها نقابة المصارف من 2 إلى 1.6 في المئة. ومثلهما فعل معهد «ايفو» الذي أوضح الخبير فيه كلاوس فولرابه أنه ينتظر الآن نمواً من 1.5 في المئة بدلاً من اثنين في المئة، مضيفاً أن معهده ينتظر معدل صفر في المئة في الربع الثالث من العام الجاري. ورأى الخبير الاقتصادي الألماني هاينريش باير من مصرف «بوست بنك»، أن أزمة أوكرانيا وسياسة العقوبات على روسيا «تثقلان قطاع الصادرات الألمانية من جهة، لكن ثمة تطورات جديدة ستحسن أجواء الشركات خلال الفترة المقبلة من جهة أخرى»، منها انخفاض قيمة اليورو أمام الدولار، ما سيرفع الطلب على البضائع الألمانية في العالم، ومنها التراجع المستمر في سعري النفط والغاز، ما سيخفض كلفة الانتاج بحسب رأيه. إضافة إلى ذلك يرى خبراء ألمان أن على رغم تراجع مؤشر «إيفو» المهم للمرة الرابعة، لا تزال معدلات أجواء الشركات وأوضاعها الراهنة وتوقعاتها للأشهر الستة المقبلة فوق عتبة ال 100 نقطة على رغم انخفاضها الخامس، وهذه العتبة هي في العادة الحد الفاصل بين النمو والانكماش. إضافة إلى ذلك فإن مؤشر «زد إي في» تراجع هذه المرة أقل كثيراً مما حصل الشهر الماضي ومما انتظره المراقبون. أما مؤشر «داكس» الذي تجاوز العشرة آلاف نقطة في تموز (يوليو) الماضي، فشهد في الأسابيع الماضية تذبذباً قوياً أرجعه إلى تسعة آلاف نقطة في آب، لكنه عاد فجأة ليرتفع ويغلق على 9800 نقطة في 19 الجاري، ما قوّمه مراقبون ب «الايجابي» لينخفض قبل يومين من جديد، في شكل مفاجئ، إلى نحو 9500 نقطة. وعزا مراقبون الأمر إلى تخوف كبار المودعين من تراجع جديد في حجم السيولة المالية التي يوفرها مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي مع توقع رفعه الفائدة من جديد، ووصول بيانات ضعيفة عن نمو الاقتصاد في الولاياتالمتحدة.