في كل مرّة حاول النظام في سورية التوجه إلى الشباب انتهى الأمر بكارثة لا يعرف كيف يلملم تداعياتها. آخر المحاولات كانت دعوة المصري أحمد سبايدر ( 23 سنة) إلى جامعة دمشق ليحاضر أمام الشباب الجامعي في الوطنية والانتماء. ليس الجديد هذه المرّة سخرية الشباب المعارض على صفحات التواصل الاجتماعي، فهذا أمر متوقع. ما لم يتوقعه صاحب فكرة الدعوة هو الكم الهائل من العبارات الساخطة في صفحات أتباع النظام، أو صمتهم التام اقله وعدم تهليلهم للناشط السياسي والإعلامي الشاب الآتي من «أمّ الدنيا» خصيصاً لملاقاتهم. ويبدو أنّ من قام بدعوة سبايدر لم ينتظر كل هذا الجفاء من مناصري النظام ظناً منه أن من ابتلع أنهاراً من الكذب، كرواية خروج المتظاهرين احتفالاً بهطول المطر وحكاية مجسمات المدن السوريّة في استديوات «القنوات المغرضة» لن يغصّ بساقية تحليلات سبايدر السياسية. بيد أن سبايدر استطاع أن يكون رقماً صعباً بين الإعلاميين الذين جلبهم النظام للدفاع عنه، إذ اثبت نجاحه في كسر قدرة التحمّل لدى من صدّق الروايات الرسميّة للنظام للتشويش على الثورة. في هذا السياق أبدى أحد المؤيدين للنظام استياءه من رفض وزارة الإعلام إعطاء الضوء الأخضر لأي شاب سوري من جيله للإدلاء برأيه، بينما يملأ صراخ المدافعين عن النظام من لبنانيين ومصريين شاشات التلفزيون السوري. ولا ريب في أنّ محاولة السّلطة مخاطبة الشباب الجامعي عبر سبايدر جاءت متأخرة جداً. فبعد الدمار الهائل الذي ألحقه النظام بالبلاد حسم معظم الشباب أمره إمّا بالانخراط فعلياً في الثورة ومواجهة توحّش السلطة أو بالبحث عن مستقبله في بلدان أخرى. لا يجد منصور (28 سنة) الناشط في العمل الإغاثي طائلاً من الحديث والنقاش بغية كسب الرأي الآخر، ويقول معلّلاً رأيه: «قيل في السنتين الماضيتين كل ما وجب قوله وجميعنا يعرف اليوم الحقيقة ولا أحد يحتاج إلى أدلّة وبراهين لإثبات وحشية هذا النظام. ولّى وقت الكلام ومن الأفضل اليوم التركيز على العمل الميداني». طبعاً لا تكمن مآخذ الشباب السوري على سبايدر في عمره، بل قد يكون عمره الفضيلة الوحيدة التي تسجل له في ظل ندرة الوجوه الشابّة بين صفوف إعلاميي النظام. ولا مشكلة لهم مع «ستايله» العصري، فالشباب الجامعي المساند للثورة لا يقل عصريّة في شكله عن سبايدر. المشكلة تكمن في أن سبايدر يهرف بكلامٍ اجترّته مراراً وتكراراً الماكينة الإعلاميّة للنظام على مدى أكثر من عامين منذ انطلاقة الثورة. إذ تبدو إعادته للأسطوانة المعروفة عن المؤامرة واستهداف الدور المقاوم والاستراتيجي لسورية استفزازاً لعقول المستمعين من الشباب. فهؤلاء لم تعد تعنيهم كل هذه الكليشيهات بقدر ما تعنيهم احتياجات يوميّة بسيطة عجز عن تأمينها لهم نظام المقاومة والممانعة عبر سنين حكمه. والجدير بالملاحظة انّه خلال الأسبوع الذي أقيمت فيه الندوة وثّق اتحاد طلاب سورية الأحرار 4 قتلى و19 معتقلاً من الطلاب لكن يبدو أن الوقت لم يتّسع لسبايدر للتحدث عنهم بينما كان منشغلاً بتفكيك خيوط المؤامرة الكونية على سورية. في مقابلته على الفضائية السورية يغمز سبايدر من قناة محاربة التطرّف والإرهابيين عند حديثه عن أمراءٍ مجاهدين في المناطق المحرّرة، الا أنّه يتناسى بالمقابل مقاتلي «حزب الله» الآتين إلى سورية «بواجب جهادي» لمساندة نظام لا يزال البعض يعتبره علمانياً. الأسوأ من ذلك تناسيه نظام الاستبداد، المسؤول الأساسي عن وصول الوضع في سورية إلى هذه الحال من الصراع الدموي. ولعلّ اهم ما يميّز احمد سبايدر ابتعاده عن التكلف والتصنّع، إذ لا يحاول الشاب العشريني ارتداء ملابس رسمية أنيقة تمثّلاً بالمحللين السياسيين، ولا يكترث لتلعثمه بأكثر من حرف عند التحدّث، ولا يضع أقنعة كالتي يضعها «سبايدر مان». يعرّف عن نفسه بقول واضح وصريح: «شبيح مصري قومي عربي اسدي». لا يجد سبايدر في كلامه ما يدعو إلى الخجل، هو كما هو، شاب مندفع ومتحمس، يخرج كل ما في جعبته دفعة واحدة. فمن غير المستغرب مثلاً سماعه في مقابلة واحدة يكشف للمشاهدين عمالة باسم يوسف وارتكاب الولاياتالمتحدة أحداث 11 أيلول (سبتمبر) وعمالة الجيش الحر لإسرائيل. لكن التلويح باليدين ورفع الصوت عالياً لا يسعفان سبايدر في إقناع أحد بما يقوله. كلامه مليء بالثقة إلا أن محتواه فارغ. لكن ماذا قال الحضور من طلاب جامعة دمشق لسبايدر؟ وماذا طلبوا منه؟ هل سألوه عن مصير أكثر من 160 طالباً من جامعة دمشق و 400 طالب من بقية الجامعات من زملائهم المعتقلين في سجون السلطة؟ أم اكتفى أحدهم بالهمس في إذنه ليتكلّم مع الجهات المختصة حول إمكان رفع الحجب عن فايسبوك ساعات أطول؟ هل باستطاعته فعل أكثر من ذلك؟ لماذا دُعي بالأصل؟ هل يمكن اعتبار دعوة سبايدر نوعاً من الانتقام من الشباب الجامعي الذي تظاهر داخل الجامعات وخارجها مطالباً بإسقاط النظام؟ أم هي محاولة للتغطية على مجازر البيضا وبانياس والقصير بحدث إعلامي؟ لا يمكن إدراج استقدام احمد سيايدر إلا تحت عنوان الإفلاس السياسي والإعلامي للنظام المتهالك. وليس من إشارة أوضح من ارتدائه البزة العسكرية داخل حرم الجامعة إلى ما تبقّى من النظام بعد انتهائه سياسياً وإعلامياً. بعد ملهاة دعوة احمد سبايدر بالتزامن مع ما تمّر به البلاد من أوضاع صعبة، لا يجد الشباب سوري خلاصاً إلا بزوال هذا النظام بدءاً بتفكيك أجهزته الأمنية والمخابراتية، الأمر الذي سيؤدي تلقائياً إلى تلاشي الفقاعات الإعلامية التي نفختها.