وبعد التهليل والتكبير والحديث عن حكمة الرئيس وتأكيد حنكة الجميع وبث الإعلام الرسمي كل ما أوتي من أغان وطنية وتعليقات ثورية، انصرف جانب من المصريين على اعتبار أن القصة المأسوية انتهت نهاية سعيدة وتم إسدال الستار وكتابة كلمة «النهاية» على فيلم «الخطف في سيناء» وبات المصريون في انتظار العرض المقبل بعدما احتضن الرئيس المخطوفين وهنأ المحررين وشد على أيادي العسكريين، داعياً «كل من يحب مصر» إلى أن «ننطلق في طريق واحد من أجل وطننا». وانطلق بعضهم ماضياً في الطريق، فالرئيس غادر مطار ألماظة العسكري متوجهاً إلى عمله، والجنود انطلقوا إلى قراهم ليلتقوا أهاليهم الذين قيل إنهم لم يتمكنوا من الحضور، وفرح الجميع. إلا أن جانباً آخر من المصريين لم ينصرف، بل أمعن في البقاء وأفرط في السؤال وبالغ في الدهشة. لم يهلل كما هلل المهللون، ولم يثن على حكمة الرئيس كما أثنى المثنون، بل ملأ الفضاء أسئلة واستنكارات وتنديدات وانتظاراً لإجابات ستبقى على الأرجح عصية على الحضور. الحاضر الغائب في احتفالات أمس بتحرير الجنود السبعة المختطفين هو المعلومة، إذ شاهد العالم بأسره لحظة هبوط الطائرة التي أقلتهم وملابسهم الجديدة التي ارتدوها والأحضان والقبلات التي حظوا بها من الرئيس مرسي وميكروفونات الفضائيات وكاميراتها التي غمرت المكان، وانفض الجمع من دون أن يعرف المصريون من خطف الجنود وأين ذهبوا ولماذا خطفوهم ولماذا أطلقوا سراحهم. وبينما جموع المصريين من محبي وداعمي الرئيس مرسي تسجد لله شكراً على النصر العظيم والإنجاز الرهيب الذي لم يكن ليحدث من دون حكمة الرئيس وصبره، كانت أسئلة بقية المصريين تتصاعد من استفسارات عما حدث إلى تنديدات بالتعامل «الإخواني» مع الاختطاف باعتباره حادثاً تكلل بنهاية سعيدة إلى موجات غضب عارمة متسائلة عن مصير التعامل مع سيناء التي بات المصريون يشعرون بأنها أقرب ما تكون إلى دولة داخل مصر. وفي داخل مصر، وجهت جماعة «الإخوان» التهنئة إلى «الشعب المصري» على تحرير الجنود، وحيت الرئيس على «رباطة الجأش» والقوات المسلحة والشرطة وشيوخ القبائل السيناوية على «البلاء الحسن»، وهي التحيات التي أمعنت في وضع علامات استفهام مذيلة بتعجب من قبل بعضهم. فبعيداً عن الطبل والزمر الذي ربما يكون سمة من سمات من يحيط بكرسي الحكم، لم تبدر استفسارات من قبل الجماعة الحاكمة أو حلفائها عن مصير الخاطفين، بل ذهب البعض إلى التفكه بأن الرئيس مرسي أثبت أنه بالفعل رئيس لكل المصريين، مخطوفين كانوا أو خاطفين. ولعل كلمة «خاطفين» كانت الأكثر تداولاً أمس بين جموع المصريين من غير مؤيدي الجماعة وحلفائها، إذ لم تفلح الأجواء الاحتفالية والأغاني الوطنية والتغريدات «الإخوانية» المكبرة والمهللة للنصر الكبير في تغيير دفة الاهتمام بعيداً من الخاطفين بين المتعجبين من أن ينتهي سيناريو الخطف نهاية غير متوقعة منزوعة الأكشن خالية من الإثارة وأقل بكثير من مستوى البناء الدرامي للأحداث في الأيام الأولى، فالرعب الذي نزل في قلوب الخاطفين وجعلهم يتركون الجنود في الصحراء ويفرون أعاد إلى الأذهان فيلم «الإرهاب والكباب» حين خرج البطل المتهم بالإرهاب مندساً وسط الرهائن، وانتهى الفيلم. وكل نهاية تؤدي إلى بداية، أو هكذا قال الحكماء، فأهالي المخطوفين الذين جالوا على القنوات الفضائية الخاصة المصنفة تحت بند «المعارضة» وقال بعضهم إنه نادم على انتخاب مرسي وهو يرى ابنه مخطوفاً والرئاسة متباطئة، فيما قال بعضهم انه يرفض تماماً فكرة التفاوض ويفضل أن يتسلم ابنه جثة هامدة من أجل كرامة الوطن، ظهر منهم آخرون على شاشات التلفزيون الرسمي ليؤكدوا أنهم لم ينتخبوا الرئيس لكنه اليوم يثبت أنه الأحق برئاسة مصر. النهاية المفضية إلى بداية امتدت إلى وزير الإعلام صلاح عبدالمقصود الذي رأى في النهاية الجميلة لحادث الخطف واحتضان الرئيس مرسي لأبنائه الجنود نيابة عن شعب مصر بداية جديدة تليق ب «مصر الجديدة». ولم يكن لمناسبة كتلك أن تمر من دون أن يعلق أحدهم محذراً من أنه لا داعي لتوجيه أسئلة مثل «أين الخاطفين؟» في ظل وجود وزير الإعلام منعاً للإحراج. ومن الإحراج إلى التمحيص والتفحيص في كلمات الرئيس، أطلق كثيرون العنان لخيالاتهم التحليلية وقدراتهم التفنيدية في محاولة لفهم ما لم يحكَ بعد عن حادث الاختطاف. فالرئيس «دعا» أبناء سيناء ممن لديهم سلاح إلى تسليمه، «فالسلاح لا بد من أن يكون مع السلطة فقط متمثلة في القوات المسلحة والداخلية»، مؤكداً أن «من له حق سيأخذه ولكن ليس بالسلاح والإجرام» ومطمئناً الجميع «أننا مستمرون في أدائنا المتميز ومعارضتنا في أعيننا ونحن ذاهبون إلى بر الأمان». كثيرون أثنوا على طيبة قلب الرئيس وحسن ظنه بمن يملكون الأسلحة واكتفائه بمناشدتهم تسليمها، لكن فريقاً من الأشرار وسيئي النيات أعلن تخوفه من «من له حق سيأخذه» بل مضى بعضهم إلى حد التنبؤ بأن يجلس الخاطفون على مقاعد الضيوف المهمين في احتفالات مصر بذكرى «حرب أكتوبر» العام الجاري، أسوة بجلوس قتلة الرئيس الراحل أنور السادات ضمن ضيوف احتفال العام الماضي بالحرب التي قادها السادات! ويتوقع أن تغمر التحليلات السياسية والتفنيدات العسكرية والآراء الهزلية أثير الفضائيات على مدار الساعات ال48 المقبلة، إضافة إلى تفجر موجات غضب عارم لا تخلو من هبات تنكيت شامل على الأثير الافتراضي، بين سائل عن مصير تحقيقات مقتل الجنود ال16 في رفح، إلى موقف الضباط المختطفين من سيناء، إلى منكتين مشيرين إلى أن الجنود المحررين طالبوا بالعودة إلى خاطفيهم لأنهم شعروا بالراحة النفسية بعد الأيام التي أمضوها في الخطف بعيداً عن جنون الإعلام. لكن ما لا يعرفه الجنود هو أن كثيرين من أبناء مصر غارقون في الراحة نفسها بفضل الانقطاع المستمر للكهرباء والذي تتخلله دقائق من عودة التيار يستغلها الجميع في توجيه الاتهامات أو تهنئة الرئيس أو بث أغنية «مصر اليوم في عيد».