«لا وقت للبكاء على موتاهم، ولا لتشييع جثامينهم، الموت يأتيهم بغتة والدفن أيضاً بغتة تجنباً من القصف ورصاص القناصة، يعيش الناس هناك حياة بالتقسيط، لا وقت لهم ليفرحوا ولا وقت لهم ليحزنوا، هم معلقون بين الحق في مواصلة الثورة وبطش آلة الموت الرسمية». بهذه الكلمات وبهذا الوصف البليغ والتصوير المؤثر للمشهد والواقع الإنساني عبّر الكاتب الفرنسي «غوناتان ليتل» في كتابه «يوميات حمص» عن معاناة ومأساة الشعب السوري في منتصف العام 2012، والأيام تمضي ولا تزال آلة القتل الوحشية مستمرة في إبادة وقتل وحصد أرواح عشرات الآلاف، حتى بات عدد القتلى يقترب، بحسب مفوضة الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان في الأسبوع الماضي، من 70 ألف قتيل، وأن أعداد اللاجئين السوريين خارج بلادهم وصل إلى مليون و300 ألف لاجئ في مخيمات ومراكز إيواء يعيشون فيها ظروفاً معيشية صعبة، نصفهم من الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم 11 عاماً، إلى جانب السوريين النازحين في داخل سورية، الذين يصل عددهم إلى أربعة ملايين نازح في الوقت الراهن، حتى وصف الممثل الإقليمي لمفوضية اللاجئين بأن «كارثة اللاجئين السوريين تعتبر أكبر كارثة في القرن ال21، كل ذلك يجري أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي، وتيرة القتل لا تزال تتسارع وردة ومناقشة الحلول تُجرَى بوتيرة بطيئة! الرئيس الأميركي باراك أوباما سبق أن حذر الأسد في آب (أغسطس) من العام الماضي من العواقب الوخيمة التي سوف يتعرض لها في حال استخدامه أسلحته الكيماوية ضد المعارضة، معتبراً أن ذلك خط أحمر في حال وقوعه، وبدا كمن يقول ويلوح بأن الولاياتالمتحدة ستهرع بحلول جذرية مع أول اعتداء كيماوي في سورية، وأن استخدام هذه الأسلحة سيؤدي إلى أقسى رد ممكن، والآن بات من المؤكد للولايات المتحدة وحلفائها استخدام النظام لذلك النوع من الأسلحة، فوزير الخارجية الأميركي جون كيري أكد أن لدى بلاده دليلاً قوياً على استخدام الحكومة السورية أسلحة كيماوية بالحرب الدائرة في سورية، وذلك في حوار عبر «الإنترنت» نظمته شبكة «إن بي سي» الأميركية، وكذلك أشارت مساعدة وزير الخارجية ويندي شيرمان أمام نواب أميركيين، أن «أجهزة المخابرات متفقة على القول، مع درجات مختلفة من التأكيد، أن أسلحة كيماوية استعملت بكميات ضئيلة على الأقل مرتين في سورية»، وتمكنت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أخيراً من العثور على أدلة تؤكد أن هجوماً بالأسلحة الكيماوية وقع في سورية الشهر الماضي، ونقل مراسلها الذي زار بلدة سراقب شمال غربي سورية أن طائرات مروحية تابعة للقوات الحكومية ألقت حاويتين على الأقل تحتويان على غاز سام على البلدة. بات من المرجح أن إقدام النظام على هذه الخطوة يعود في جزء منه إلى رغبته في امتحان ومعرفة رد فعل الولاياتالمتحدة والغرب تجاهها، وقد أخفق أوباما والغرب حتى اليوم في الإعراب عن أي رد فعل مناسب تجاه تلك الخطوة، وهو ما يعزز أن صدقية أوباما والولاياتالمتحدة باتت اليوم على المحك، فأوباما، كما يرى الكثيرون من الساسة، لم يعد أمامه وبسبب تردده الطويل في زيادة تدخله خيارات عدة، لعل أخفها ضرراً هو التحرك عبر فرض مناطق حظر جوي وتسليح الثوار السوريين علانية، ما قد يؤدي إلى تسريع انهيار النظام، ولا شك أن فرض منطقة حظر جوي، من وجهة نظر أميركية، هو أمر مكلف وخطر، إلا أنه سيسهم إسهاماً كبيراً في إضعاف الأسد، كذلك يبدو أن تسليح الثوار محفوف بالمخاطر لأن كثيرين منهم قد يستخدمون ذات يوم هذه الأسلحة في وجه الولاياتالمتحدة وأصدقائها، ولكن وكما قالت آن ماري سلوتر مديرة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية سابقاً، والباحثة في الشؤون الدولية بجامعة برينستون: «إن العالم لن يرى تلك الحسابات المعقدة داخل البيت الأبيض (الضرر الذي سيلحق بأجندة أوباما المحلية في حال خوضه صراعاً جديداً في الشرق الأوسط، والخطر الذي تواجهه المصالح الأميركية بسبب المجاهدين والقاعدة في سورية، ومناورات إيران و«حزب الله»، والتهديدات الإسرائيلية، وانجرار الأردن ولبنان والعراق إلى الحرب) إلا أنه سيرى المدنيين السوريين يتدحرجون أرضاً والرغوة تخرج من أفواههم، فيموت آلاف منهم فيما تقف الولاياتالمتحدة مكتوفة اليدين». الآن وبعد أن تجاوزت الحكومة السورية، على ما يبدو، خطّ الأسلحة الكيماوية الأحمر، وأشرفت على قتل ما يفوق ال70 ألف شخص من دون أن تحصل على ردّ فعل من الولاياتالمتحدة وحلفائها، يظل التساؤل المهم هو كم يجب أن يستخدم النظام السوري من الأسلحة الكيماوية ليتخطى ذلك الخط الأحمر الذي رسمته بشأن هذه الأسلحة؟ وما الخطوة الأكثر توحشاً في القتل والإبادة والتدمير التي يجب أن يتخذها الأسد حتى تدفع أوباما والمجتمع الدولي إلى اتخاذ قرار التدخل؟ * كاتب سعودي. [email protected] @hasansalm