تحتل الدول مواقع مختلفة على خريطة الأداء الاقتصادي العالمي، سواء في إجمالي الناتج المحلي الذي يعكس حجم النشاط الاقتصادي الذي يحصل فيها خلال فترة زمنية معينة، أو في مؤشرات عدة أخرى يمكن عبرها توقع التغير في مواقع القوة الدولية والتي يمثل الاقتصاد الحجر الأساس فيها. وبحسب أرقام نشرتها الأممالمتحدة وصندوق النقد والبنك الدولي عن الفترة 1970-2010 وتوقعات عام 2015، تحتل الولاياتالمتحدة المرتبة الأولى عالمياً في حجم الناتج بالأسعار الجارية منذ عام 1970. وكان الاتحاد السوفياتي يحتل المرتبة الثانية لكنه انحسر منذ عام 1980 أمام اليابان كثاني أكبر اقتصاد عالمي حتى عام 2005. وخلال الفترة 1970-1985 احتلت الصين الموقع الثامن ثم التاسع لتتراجع إلى الموقع الحادي عشر في 1990. لكن منذ عام 1995 وتزامناً مع رياح العولمة، ارتفعت الصين مجدداً إلى الموقع الثامن عالمياً لتقفز بعدها إلى المرتبتين السادسة والخامسة في 2000 و 2005 على التوالي. وفي 2010 أزاحت اليابان من المركز الثاني. وتشير توقعات دولية إلى استمرارها في احتلال هذه المرتبة عام 2015. وخلال الفترة 2008-2011، عندما أرخت تداعيات الأزمة المالية العالمية بظلالها على أداء اقتصاد كل الدول تقريباً، تمكنت الصين من رفع إجمالي ناتجها المحلي بالأسعار الجارية من 4.5 تريليون دولار إلى 7.3 تريليون، بينما رفعته الولاياتالمتحدة بمقدار 772 بليوناً فقط. وعند احتساب معدل الزيادة في إجمالي الناتج المحلي لكل خمس سنوات، تحتل الصين المرتبة الأولى حيث بلغ معدل زيادتها بين 2005 و2010 نحو 2.7 تريليون دولار في مقابل ارتفاعه في الولاياتالمتحدة 1.9 تريليون. ويتوقع صندوق النقد أن تستمر الصين في احتلال المرتبة الأولى في 2010-2015 محققة 5 تريليون دولار مقابل 3.3 تريليون في الولاياتالمتحدة. وكانت الأخيرة هي التي تحتل المرتبة الأولى عالمياً منذ عام 1960 وحتى 2005 باستثناء الفترة 1985-1995 عندما احتلتها اليابان. وتبقى الولاياتالمتحدة والصين تحتلان المواقع ذاتها أعلاه من ناحية إجمالي الناتج ومعدل الزيادة كل خمس سنوات بحسب معيار تساوي القيمة الشرائية (PPP) Purchasing Power Parity لا بالأسعار الجارية. وفي مجال الاستهلاك العائلي السنوي ما زالت الولاياتالمتحدة تحتل المرتبة الأولى عالمياً منذ 1970. أما الصين وعلى رغم عدد سكانها، انتقلت من المرتبة الثامنة من بين أكبر عشر دول في حجم الاستهلاك العائلي السنوي في 1970 و 1980 إلى المرتبة السابعة في 2000 ثم إلى المرتبة الرابعة بعد الولاياتالمتحدةواليابانوألمانيا في 2009. ومن المثير للانتباه أن حجم الإنفاق الاستهلاكي العائلي ارتفع في الصين من 59 بليوناً في 1970 إلى 1.8 تريليون في 2009 بينما ارتفع في الولاياتالمتحدة من 649 بليون دولار إلى 10 تريليونات في الفترة ذاتها. ويبرر هذا الفرق الشاسع بين مقدار الاستهلاك العائلي في البلدين على رغم الاختلاف الكبير في حجم السكان، قلق بعض المراقبين الاقتصاديين في الغرب حول عجز الموارد العالمية بما فيها الطاقة والإنتاج الزراعي إذا ارتفع معدل الاستهلاك الفردي في الصين إلى مثيله في الولاياتالمتحدة أو في الدول الغربية عموماً. وفي مجال التجارة الدولية ما زالت الولاياتالمتحدة تحتل المرتبة الأولى عالمياً منذ عام 1970. وكانت ألمانيا تحتل المرتبة الثانية حتى 2009 عندما احتلتها الصين بحجم تجارة يقل قليلاً جداً عن حجم تجارة الولاياتالمتحدة ضمن أكبر عشر دول من ناحية قيمة التجارة العالمية. وفي مجال تكوين رأس المال الثابت أو الاستثمار في الموجودات الثابتة، احتلت الولاياتالمتحدة المرتبة الأولى منذ 1970 وكانت اليابان تأتي في المرتبة الثانية، ولكن في 2009 أزاحت الصين الولاياتالمتحدة إلى المرتبة الثانية لتحتل هي المرتبة الأولى. وفي مجال الصناعة التحويلية ظلت الولاياتالمتحدة تحتل المرتبة الأولى منذ عام 1970 وكان يأتي بعدها الاتحاد السوفياتي في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته إلا أن اليابان أخذت مكانه منذ العام 1990. ولكن في 2009 تمكنت الصين من إزاحة الولاياتالمتحدة عن المرتبة الأولى في مقدار صادرات السلع والخدمات والتي احتلتها على مدى أربعة عقود لتحتلها هي في 2009 بفارق نحو 400 بليون دولار. وفي مجال الادخار القومي احتلت الصين المرتبة الأولى في 2010 من بين أكبر عشرة اقتصادات في العالم متجاوزة بذلك الولاياتالمتحدةواليابان معاً (3.2 تريليون دولار). أما في مجال الإنفاق الحكومي فعلى رغم أن الولاياتالمتحدة تعتبر رمزاً لنظام السوق، وما يدعو إليه من قلة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، بينما ما زال القطاع العام يحتفظ بحضور كبير في الصين، بلغ الإنفاق الحكومي في الولاياتالمتحدة 6 تريليونات دولار في 2010 بينما جاءت الصين في المرتبة الخامسة بعد الولاياتالمتحدةواليابانوألمانيا وفرنسا ب1.4 تريليون دولار. ويستنتج من السرعة التي تمكنت فيها الصين من اختراق مواقع الثقل الاقتصادي العالمي، حجم النجاح الذي حققته السياسة الاقتصادية للسلطة السياسية السابقة والتي اعتمدت على زيادة الصادرات والادخارات والاستثمارات لتحقيق قفزات عالية في النمو الاقتصادي. ولكن السلطة السياسية الجديدة والتي يتوقع منها أن تغير في بعض السياسات، بخاصة زيادة استهلاك القطاع العائلي بدلاً من التوجه نحو التصدير، قد تفرز نتائج مختلفة خصوصاً إذا أدت زيادة الاستهلاك العائلي إلى توسيع الاستيراد وتقليص الصادرات. كاتبة متخصصة بالشؤون الاقتصادية