جلسنا أمام برنامج فني، فإذا به يأخذنا إلى عالم بل عوالم أخرى تسبح بنا في السياسة والتاريخ والثقافة. إنه «آراب أيدول» وحكايته مع كردستان من خلال المتسابقة برواس حسين، ذات الجمال الناعم والعيون الناعسة والصوت الرخيم الذي باغتنا جميعاً بأغنية عربية بلغة أخرى هي الكردية. ثم غنت برواس أغنيات وقصائد عربية، ومن خلال لغة الفن، نفذ بنا البرنامج إلى عالم السياسة، فكردستان لم يأتِ ذكرها في أدبياتنا وصحفنا العربية إلا من خلال الصراع السياسي والقتال بين الأكراد والقوات التركية. وقبل هذا كان الصراع هو نصيب الأكراد أيام حكم صدام وانتهى بحادثة «حلبجة» وإلقاء صدام القنابل الكيماوية على الأكراد، بعدها أصبحت محافظة كردستان ضمن منظومة العراق الجديد وبدأنا نسمع عن الثقافة والفن الكرديين، وبدأت نخب من العرب تذهب إلى كردستان بل بدأ بعضهم يعترف (أو نعرف نحن عنه) أنه من أصول كردية مثل المخرج السينمائي علي بدرخان في مصر، وبدأت الأخبار عن السينما الكردية الصاعدة الواعدة تتزايد. لكنّ الأمر يختلف كثيراً بعد حلقات «آراب أيدول» التي تتجاوز النخب إلى الملايين من العرب وتعرض على فضائيات مهمة («أم بي سي» و «الحياة» و «أل بي سي»). ولقد عبّر الفنان راغب علامة عن أهمية وجود برواس في البرنامج حين قال إن المتسابقة «دمجت الكردي في العربي»، وأنها حبّبت المشاهد واللجنة في الفن الكردي، بينما قالت عضوة لجنة التحكيم المطربة أحلام إن الأكراد جزء مهم من الوطن العربي لتنقل القضية إلى ملعب المطالبين باستقلال كردستان عن العراق فتهاجم على المواقع الإلكترونية، وليأتي بعدها زوج برواس، جوران، مساء السبت الماضي لكي يغني معها في ثنائية نادرة تطرح علينا أسلوباً مختلفاً للأداء. وعلى رغم كونه فناناً معروفاً في بلده إلا أنه قال إن زوجته أصبحت أكثر شهرة منه بعد ظهورها في البرنامج، وهو ما يؤكد أهمية هذه النوعية من البرامج حين يتحلى القائمون عليها بأفق واسع يصاحب مسؤوليتهم الثقافية والفنية، إذ تجاوز البرنامج عشرات السنين من «عدم الفهم» أو «سوء الفهم» العربي تجاه كردستان كإقليم وقضية، وفتح الآفاق للمشاهد لكي يلتقي بالآخر الذي يشاركه الوطن ولكنه لا يعرفه، وأن يكتشف أن ما يجمعه به أكثر مما يفرقه، وقيمة هذا أنه لا يجري في إطار ضيق ولكن من خلال ملايين البيوت العربية التي لا بد أن تبدأ لديها تساؤلات حول ما تراه من خلال البرنامج، وما يضيف إليها من الرؤى والصور. وفي هذا الإطار لا يمكن أحداً من المشاهدين أن ينسى أيضاً تلك الأغنية البديعة للثلاثي خوري، المتسابق زياد خوري وشقيقه عماد والأب الختيار طفوس بصوته الجميل الذي أورثه ولديه، فمضى ثلاثتهم يقدمون لحظات لا تنسى من الفن والأصالة المغزولة بالمحبة الأسرية. أنها أيضاً إحدى الإضافات البديعة لفريق إعداد هذا البرنامج الذي يثبت قدرته على الإبداع داخل الدائرة.