يبذل المجتمع المدني المصري جهوداً كبيرة لمكافحة تسرب الأطفال من المدارس في محافظات عدة في صعيد مصر حيث النسبة الأعلى من الأمية والتسرب، لكن يبدو أن المطلوب بات مزيداً من الدعم والتعميم على مستوى البلاد. وتسعى قوى المجتمع المدني منذ تسعينات القرن الماضي، إلى مساعدة إدارات المدارس وأولياء الأمور والطلاب في ما يسمي «مدارس المجتمع» و «المدارس الصديقة للفتيات» في محافظات أسيوط وسوهاج وقنا. وتقدم «مدارس المجتمع» في المناطق الريفية المحرومة مستوى تعليمياً معادلاً للمرحلة الابتدائية، بمساعدة منظمة «يونيسف» ووزارة التربية والتعليم والمجتمع المحلي. وتهدف «المدارس الصديقة للفتيات» إلى استيعاب الفتيات في المرحلة العمرية من ست إلى 13 سنة، ويُسمح بالتحاق الذكور بنسبة لا تتجاوز 25 في المئة. وعلى رغم نجاح هذين النموذجين في التحايل على مشكلات التعليم في القرى المصر النائية والفقيرة، إلى درجة فاقت أحياناً مستوى أداء بعض المدارس الخاصة في المدن الكبرى، فإن هذه التجارب لا تزال تحتاج إلى مزيد من الدعم والاهتمام. «المجلس العربي للطفولة والتنمية» و «يونيسيف» تعاونا لإجراء دراسة ميدانية عن «المشاركة المجتمعية في التعليم» في المحافظات الثلاث، لكي تكون جسراً بين قطاع التعليم والمجتمع المدني. ثمة أطفال كثر، يعدّون بالآلاف، وجدوا في «مدارس المجتمع» و «المدارس الصديقة للفتيات» ملجأ لهم، لأنها (المدارس) تتفهم طبيعة ظروفهم، من عواطف (13 سنة) التي تسربت من المدرسة في سن العاشرة بسبب اضطرارها إلى قطع مسافة تزيد على عشرة كيلومترات يومياً مشياً على الأقدام، إلى محمد، الذي وجد نفسه مسؤولاً عن أسرة وهو في سن ال14 بعد وفاة والده واستعانة والدته به للعمل، ما أدى إلى توقفه عن التعليم. وهكذا عادت عواطف إلى المدرسة التي تعتمد أساليب مرنة في التدريس، فيما تمكن محمد من الاستمرار في مساعدة ولادته مع تلقيه العلم في ما تبقى من وقت. وتشير الدراسة إلى أن 30 في المئة من السكان في صعيد مصر يعيشون في مناطق لا تصل إليها الخدمات المباشرة، كما أن غالبية المدارس والخدمات الصحية تقع على مسافة بعيدة من سكان القرى، فينتقل أكثر من نصف الطلاب الذكور مشياً على الأقدام (أقرب مدرسة حكومية على بعد خمسة كيلومترات)، فيما لا تلتحق غالبية الفتيات بالمدرسة، وإن التحقن يتسربن منها سريعاً. وأدى ذلك إلى ارتفاع نسبة الأمية بين الفتيات، والنساء عموماً، في المناطق الريفية في صعيد مصر، إذ بلغت نسبة تسرب الفتيات من الصف الرابع الابتدائي نحو 25 في المئة. وتقول مديرة التعليم في «يونيسف» في مصر، إن أهمية «مدارس المجتمع» تبرز في ما تقدمه من مهارات تعليمية للصغار واكتساب المهارات الحياتية داخل المدرسة في صفوف متعددة المستويات. وتساهم هذه المدارس في سرعة إتمام مرحلة التعليم الأساسي للملتحقين، الذين يكونون عادة في أعمار أكبر، بحكم تسربهم أو عدم التحاقهم بالمدرسة في الصغر. وتعد «مدارس المجتمع» طوق نجاة من عالم الجهل والأمية، وبلغ عددها حتى العام الماضي 5020 مدرسة. ولا تختلف عنها كثيراً «المدارس الصديقة للفتيات» التي انطلقت في مصر من منظور حقوقي لمكافحة أمية حوالى 650 ألف فتاة تتراوح أعمارهن بين ست و11 سنة. وبلغ عدد هذه المدارس 1047 مدرسة عام 2007، فيما بلغ عدد الفتيات الملتحقات بها حوالى 32 ألف فتاة. وحقق المجتمع المدني المصري نجاحاً كبيراً في هذا المجال، باعتباره شريكاً رئيسياً على أرض الواقع، فالكثير من المدراس أنشئت من تبرعات الأهالي، بالتعاون والتنسيق مع الوزارة المختصة والمنظمات الدولية المانحة، لكنها تحتاج إلى تدريب الإدارات والمعلمين على استخدام الكومبيوتر وطرق التدريس الحديثة، على أيدي خبراء تربويين. وتطالب الدراسة بتفعيل سبل جمع التبرعات والمنح المقدمة في هذا الشأن، من خلال آلية واضحة، مع توفير وسائل مواصلات للأطفال والعاملين. وحملت الدراسة كثيراً من الجوانب المضيئة ونقاط القوة، فالإمكانات البشرية متوافرة، وتتميز بالقدرة على العمل الجماعي، بالإضافة إلى نجاح كبير في تقديم الرعاية للطلاب ذوي الحاجات الخاصة وتقديم الخدمات التعليمية المناسبة لهم. ويرى الأمين العام ل «المجلس العربي للطفولة والتنمية» الدكتور حسن البيلاوي، أن المجتمع المدني لم يعد شريكاً أو عاملاً مكملاً، «بل هو بطل قائم بذاته، ولا يمكن تجاهل دوره المتنامي، خصوصاً بعد الثورة، إلى درجة أنه ينافس الإعلام على منصب السلطة الرابعة». ويشير البيلاوي إلى أن «الدراسة تضع إطاراً لفهم واقع التعليم المجتمعي في مصر بعد سنوات من بدء التجربة، في ضوء تعقد الحياة والتغيرات الاجتماعية والثقافية المتسارعة».