بحكم توسطها سورية، شكلت مدينة حمص موقعاً إستراتيجياً من الناحية العسكرية لأي جهة تحاول السيطرة على عموم البلاد، فهي نقطة وصل بين محافظات الجنوب والشمال، ومعبر رئيسي بين البحر في الغرب والبادية في الشرق ما جعلها أكبر عقدة المواصلات في سورية. ولذلك كانت معركة حمص ولا تزال «أم المعارك» بالنسبة إلى النظام، وتعود حمص اليوم إلى الواجهة عبر مدينة القصير التي تشهد منذ أسابيع معارك طاحنة بين «الجيش الحر» ومجموعات إسلامية مسلحة من جهة، والجيش النظامي مع مجموعات محلية مسلحة يطلق عليها اسم قوات الدفاع الوطني، وعناصر من «حزب الله» من جهة ثانية. المعلومات الواردة تؤكد تقدم جيش النظام في ريف القصير خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، حيث استطاعت قواته مدعومة ب «شبيحة» سورية وغير سورية السيطرة على كامل الضفة الشرقية لنهر العاصي، من جنوب القصير إلى بلدة آبل شمالاً وحتى تل النبي مندو قرب العاصي، وعلى أجزاء واسعة من الضفة الغربية للعاصي التي تضم عدة قرى أهمها الخالدية والجروسية وسقرجة وقادش. وبحسب معلومات نشرتها وسائل إعلام مقربة من الحكومة السورية، طالب «الإخوان المسلمون» النظام عبر وسطاء بعدم إعدام مسلحي المعارضة في حال تمت سيطرته على القصير، في وقت بدأت جهات في المعارضة تحذر من عمليات قتل جماعية أو تطهير عرقي في المناطق التي تشهد اشتباكات بين الجانبين. التطورات المتسارعة في القصير لصالح النظام أثارت إشارات استفهام كثيرة حول السرعة التي سيطر فيها الجيش على معظم ريف القصير الذي يعج ب «الجيش الحر» ومقاتلين إسلاميين محترفين. بعض المعلومات تحدث عن حصول الجيش السوري على مواقع لأنفاق حفرها «الجيش الحر» لتكون مركزاً لقياداته ومخزناً لأسلحته ومعبراً لحركته، إما عبر الأقمار الاصطناعية أو عبر جواسيس منخرطين بين مسلحي المعارضة، وقد أدى تدمير الأنفاق إلى أضعاف القدرة الميدانية للمقاتلين أثناء المعارك. وترافق هذا التطور مع طوق عسكري مفاجئ قبل أسابيع لمنطقة القصير من جنوبها وشرقها مع قصف جوي مستمر، وهجوم منظم من قبل عناصر من نخبة مقاتلي «حزب الله» في الغرب والجنوب، في إطار خطة منظمة للسيطرة على القصير. وتبدو الأيام المقبلة مرشحة لعمليات عسكرية كبيرة في القصير ومحيطها قد يستخدم فيها الجيش أسلحة نوعية للسيطرة عليها وربما تشي تصريحات الرئيس بشار الأسد بذلك، حين قال لوفد لبناني قبل أيام أن الجيش يخوض معركة أساسية في القصير ويجب أن تنتهي مهما كان الثمن. ينظر مسلحو المعارضة إلى القصير على أنها المنطقة الأكثر إستراتيجية في إطار استكمال المعركة نحو دمشق، ليس فقط من ناحية موقعها الذي يتوسط البلاد، بل أيضاً من حيث ملاصقتها للبنان مع ما يوفره ذلك من استمرار تدفق السلاح. أما النظام فينظر إلى القصير على أنها شريان الحياة الذي يؤمن له كل الإمدادات اللازمة لاستمراره في المعركة، والسيطرة عليها تعني قطع طرق الإمداد عن ريف حماة ومن ثم ريف إدلب الجنوبي، وقطع خط الإمداد من عرسال والقاع والجوسية نحو القصير، وقطع طريق الإمداد من وادي خالد عبر تلكلخ إلى القصير أيضاً، وكل ذلك مقدمة لاستكمال السيطرة على مدينة حمص ثم المحافظة في حدودها الجديدة. أما بالنسبة إلى «حزب الله»، فتعني له معركة القصير أبعد من حماية اللبنانيين الشيعة في قرى محاذية للحدود، فالمسألة أكبر من ذلك بكثير، فهي تشمل مساعدة الجيش السوري وتقديم خبراته القتالية في معارك الشوارع، فضلاً عن هدف إستراتيجي يعمل الحزب على تحقيقه، وهو إخلاء القرى السورية الحدودية من الإسلاميين الذين قد يشكل تواجدهم دعماً للسنّة بشكل عام والسلفيين بشكل خاص في شمال لبنان. * إعلامي وكاتب سوري