من يوم إلى آخر، تكتسب المقاطعة الأكاديمية والثقافية الدولية لإسرائيل زخماً أكبر، وتتضح في رفض الكثير من الشخصيات البارزة المشاركة في مؤتمرات أو أنشطة أكاديمية في الدولة العبرية بسبب انتهاكاتها المتواصلة وتمييزها المنهجي ضد الفلسطينيين. في هذا الإطار، أفادت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية أمس، أن البروفيسور الأميركي نوعام تشومسكي كان وراء رفض عالم الفيزياء البريطاني البروفيسور ستيفن هوكينغ دعوة للحديث في مؤتمر رئاسي في إسرائيل. وقالت: «تبين أن تشومسكي كان بين 20 أكاديمياً حضّوا هوكينغ على صعيد خاص على مقاطعة مؤتمر إسرائيلي كبير». واضافت أن تشومسكي، وهو أستاذ جامعي أميركي ومؤيد شهير للقضية الفلسطينية، انضم إلى أكاديميين بريطانيين من جامعات كيمبردج، ولندن، وليدز، وساوثهامبتون، وووريك، ونيوكاسيل، ويورك والجامعة المفتوحة ليقولوا لهوكينغ في رسالة إنهم «فوجئوا وخاب أملهم خيبةً كبيرة» من قبوله الدعوة للحديث في المؤتمر الرئاسي الشهر المقبل في القدس برئاسة الرئيس شمعون بيريز وبحضور مسؤول اللجنة الرباعية لعملية السلام في الشرق الأوسط توني بلير والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون. وانسحب هوكينغ هذا الأسبوع احتجاجاً على معاملة إسرائيل الفلسطينيين، بعد تلقيه الرسالة واستفسارات من زملاء فلسطينيين. ورحب الأكاديميون الفلسطينيون ترحيباً حاراً بقرار أستاذ الفيزياء النظرية البالغ من العمر 71 عاماً، ووصف أحدهم القرار بأنه «ذو أبعاد كونية»، لكن إسرائيل هاجمته. وكان الأكاديمي الليبرالي ديفيد نيومان، عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة بن غوريون في إسرائيل من مقاطعةٍ أكاديمية، حذر الجمعة: «ليس من شأنها إلا أن تدمر أحد الفضاءات القليلة الباقية التي يمكن الإسرائيليين والفلسطينيين أن يلتقوا فيها فعلاً».ووافق تشومسكي، الذي يدعم «مقاطعة الاستثمار وسحبه من الشركات التي تقوم بعمليات في الأراضي المحتلة»، على أن ينضم إلى الضغط على هوكينغ بعد مراسلات إلكترونية مع مجموعة حملة اللجنة البريطانية لجامعات فلسطين، حسب قول رئيسها جوناثان روزنهيد. وقالت الرسالة الموجهة إلى هوكينغ: «تميز إسرائيل منهجياً ضد الفلسطينيين الذين يشكلون 20 في المئة من سكانها بطرق تعتبر غير قانونية في بريطانيا»، مضيفة أن معاملتها للفلسطينيين في غزة هو بمثابة «عقاب جماعي»، وبناء مستوطنات يخرق اتفاقية جنيف و «إسرائيل تضع حواجز طرق عديدة، مادية، ومالية وقانونية، في طريق التعليم العالي لكل من مواطنيها الفلسطينيين، وأولئك الذين هم تحت الاحتلال». وأضافت: «إسرائيل عندها اسم للترويج لمكانتها الثقافية والعلمية: ماركة إسرائيل. هذه سياسة متعمدة لتمويه تصرفاتها القمعية وراء قشرة مهذبة». وقال البروفيسور مالكولم ليفيت، وهو زميل في الجمعية الملكية وخبير في الرنين المغناطيسي في جامعة ساوثهامبتون وقع على الرسالة: «لإسرائيل سياسة صريحة كلياً تقضي بجعل الحياة مستحيلة لأولئك السكان غير اليهود، وأنا أجدها غير مقبولة كلياً. وكعالم، فإن الأداة المتاحة لي لمنع جعل ذلك الوضع عادياً هي المقاطعة. وهذا خيار صعب لأن إسرائيل مليئة بالعلماء اللامعين، وهم زملاؤنا». وستدعو اللجنة البريطانية لحملة جامعات فلسطين اللورد سكيدلسكي، وهو أحد كبار المؤرخين الاقتصاديين، لرفض الدعوة للمشاركة في الحديث أمام المؤتمر. إلا أن سكيدلسكي، وهو البروفيسور الفخري في الاقتصاد السياسي في جامعة ووريك وأحد لوردات حزب المحافظين، رفض التعليق، ما يفهم منه أنه لا يزال ينوي حضور ذلك المؤتمر. وبرزت أنباء عن دور تشومسكي وسط مؤشرات متنامية في الأوساط العلمية البريطانية إلى الاهتمام بدعم مقاطعة إسرائيل في مجالات عدة، إذ سيحض المؤتمر السنوي لاتحاد الجامعات والكليات، الذي تبدأ جلساته في 29 أيار (مايو)، أعضاءه ال 120 ألفاً على إعادة النظر في العلاقات مع المؤسسات العلمية الإسرائيلية، و «مدى ملائمة الجمعيات المؤسساتية الإسرائيلية»، وفق مسودة اقتراح أمام المؤتمر. واستمر الشعور بتداعيات قرار هوكينغ في الظهور الجمعة، إذ قال الناشط الفلسطيني في حقوق الإنسان، العضو المؤسس لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس) عمر البرغوثي، إنه «أحد المؤشرات الصارخة حتى الآن التي تفيد بأن المد آخذ في التغير في النظام الأساسي الغربي ضد الاحتلال والاستعمار والتمييز العنصري الإسرائيلي، وإن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس) تصل سريعاً إلى مستوى النضج والتأثير الذي تم بلوغه في جنوب أفريقيا». وقالت مديرة مركز الدراسات التنموية في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، عضو اللجنة التوجيهية للحملة الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل ثقافياً وأكاديمياً سامية البطمة، إن قرار هوكينغ عزز بشكل واسع حركة المقاطعة محلياً ودولياً، لكنها نفت أن تكون هناك «حملة منظمة ضخمة» لإقناعه، «وسيكون من الأسهل الآن بالنسبة إلى أكاديميين آخرين يدعمون الحقوق الفلسطينية، لكنهم كانوا مترددين في تطبيق تأييدهم». في هذه الأثناء، أصدر «الائتلاف من أجل فلسطين حرة» مساء أول من امس في جنوب إفريقيا، بياناً شديد اللهجة يدين الاعتداءات الإسرائيلية المتلاحقة على الحريات الدينية في القدس الشريف بحق المسلمين والمسيحيين. ووصف البيان الممارسات الإسرائيلية الأخيرة في مدينة القدسالمحتلة بالإجراء العنصري الذي ينم عن عقلية دولة الفصل العنصري، مستنكراً استخدام إسرائيل القوانين والسياسات التي تشرعن الاستعلاء على الحقوق الفلسطينية بانتزاعها وإعطائها لمواطني الدولة العبرية. وأضاف أن السياسات التهويدية الإسرائيلية في القدس الشريف لن تضفي شرعية بحال من الأحوال على الاحتلال الإسرائيلي للمدينة، التي تعتبر جزءاً أصيلاً من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967. ودان إجراءات تضييق الخناق التي تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المقدسيين، راصداً عشرات الانتهاكات التي تعبر عن ثقافة آبارتيد إسرائيلي حقيقي في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وفي مقدمها القدس الشريف. واستنكر محاولات إسرائيل المس بحرمة المسجد الأقصى المبارك من خلال توفير الغطاء السياسي والأمني للتحركات اليمينية المتطرفة التي يقودها المستوطنون للاستيلاء على المسجد، شاجباً في الوقت ذاته استدعاء سماحة مفتي فلسطين الشيخ محمد حسين للتحقيق معه لساعات. ويعد الائتلاف من أجل فلسطين حرة الذي أصدر البيان أكبر مظلة تضامنية مع الشعب الفلسطيني في جنوب أفريقيا، ويضم أعضاء الائتلاف الثلاثي الحاكم في جنوب أفريقيا، وعلى رأسها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، واتحاد نقابات العمال، والحزب الشيوعي الجنوب إفريقي. ينضوي تحت مظلة الائتلاف عدد من النقابات المهنية، ومنظمات حقوق الإنسان والجمعيات الدينية، وفنانون وأكاديميون، والتعاونيات المحلية والمنظمات الطالبية الجامعية، وأحزاب سياسية أخرى، إضافة إلى بعض المنظمات الأعضاء في مجلس كنائس جنوب أفريقيا، ومجلس القضاء الإسلامي، وجمعية الطلاب المسلمين، وتحالف التضامن مع فلسطين، ولجنة التضامن مع الشعب الفلسطيني، ومجموعة التضامن مع الشعب الفلسطيني، وشبكة المراجعة الإعلامية، وحملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل «بي دي أس»، وغيرها.