خسائر جسيمة ونزيف مستمر تتعرض لها عملات دول «الربيع العربي»، وفي مقدمها سورية ومصر وتونس واليمن، إضافة إلى الخسائر التي تتعرض لها العملتان العراقية والسودانية. وتلعب أخطار انعدام الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي دوراً مهماً ورئيساً في تكبد هذه العملات خسائر بسبب نزيف احتياطات هذه الدول من العملات الأجنبية وهو نزيف مرتبط بتراجع أداء قطاعات مهمة على صعيد تعزيز احتياطات هذه الدول من العملات الأجنبية، وفي مقدمها قطاعات السياحة والتصدير والاستثمار المباشر وغير المباشر وتحويلات العاملين في الخارج، إضافة إلى مشاكل تباطؤ النمو وارتفاع مستوى الفقر والبطالة وتراجع كثير من المؤشرات. ومعلوم ان وجود قاعدة قوية من العملات الأجنبية تحد من نسبة انكشاف الاقتصاد الوطني على الأخطار الخارجية وتساهم في تعزيز السياسة النقدية وتدعيم سعر صرف العملة الوطنية ورفع ثقة الأسواق والدائنين والمستثمرين في إمكانات الاقتصاد وقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها ومديونياتها الخارجية وبالتالي الحفاظ على تصنيفها الائتماني. وتُعتبر قوة العملة الوطنية لأي دولة مرآة لميزان مدفوعاتها بينما تُعتبر الاحتياطات الأجنبية مقياساً للملاءة المالية التي يتمتع بها أي اقتصاد. مثلاً، تجاوزت خسائر الجنيه المصري منذ بداية «ثورة يناير» 2011 حاجز 30 في المئة، وتشير معلومات إلى ان سعر صرف الدولار قفز إلى 7.5 جنيه في السوق السوداء. وفي المقابل، انخفض سعر صرف الليرة السورية إلى 130 ليرة للدولار، ما يمثّل خسائر جسيمة أدت إلى ارتفاع مستوى التضخم في دول الربيع العربي وبالتالي اتساع قاعدة الفقر والجوع بعدما فقدت عملات هذه الدول جزءاً مهماً من قوتها الشرائية. وتعتمد الدول المعنية على الاستيراد بالعملات الصعبة لتأمين حاجاتها المختلفة وفي مقدمها الاستهلاكية والغذائية. ووضعت دول كثيرة من دول «الربيع العربي» قيوداً على تحويل العملات الصعبة إلى الخارج خوفاً من هروبها واستنزاف احتياطات البلاد من العملات، لكن هذه القيود أثرت سلباً في المستثمرين في هذه الدول لصعوبة تحويل أرباحهم إلى الخارج، إضافة إلى خسائرهم من تراجع قيم العملات الوطنية، وأثرت قيود التحويل في مواطني هذه الدول الذين يحتاجون إلى العملات الصعبة سواء للعلاج أو للدراسة أو غيرها. وأدى التراجع المستمر في سعر صرف عملات هذه الدول إلى توقف نسبة مهمة من المغتربين عن تحويل مدخراتهم إلى بلدانهم نتيجة ارتفاع أخطار سعر الصرف وصعوبة تحويل هذه الأموال إلى الخارج عند الحاجة. وفي المقابل، أدى انخفاض سعر صرف العملات الوطنية إلى انخفاض قيمة المدخرات المحلية نتيجة الارتفاع الكبير في مستوى التضخم وبالتالي تراجع القوة الشرائية للأموال المدخرة، كما ساهم انخفاض سعر صرف العملة الوطنية في ارتفاع قيمة المديونيات الخارجية لهذه الدول. وتوقف تجار التجزئة في الكثير من دول العالم عن التعامل بعملات هذه الدول خوفاً من خسائر جسيمة عند تحويلها إلى عملات عالمية، ما انعكس سلباً على مواطني هذه الدول حين يسافرون إلى بلدان أخرى لأي غرض من الأغراض. ويُلاحظ الفارق الكبير بين سعر الشراء وسعر البيع لعملات دول «الربيع العربي» لدى مكاتب الصرافة والتي تعكس ارتفاع أخطار شراء هذه العملات، وهذا يؤدي طبعاً إلى فقدان ثقة مواطني هذه الدول بعملاتهم الوطنية وما يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»