تمثّل الاحتياطات بالعملات الأجنبية في أي بلد الفارق بين ما تقبضه الدولة وما تدفعه من عملات أجنبية، وهي تظهر في شكل تفصيلي في ميزان المدفوعات. وتأتي في مقدم مصادر الاحتياطات بالعملات الأجنبية عائدات صادرات الدولة من السلع والخدمات والتي تقبَض بالعملات الأجنبية، إضافة إلى عائداتها من السياحة سواء الترفيهية أو التاريخية أو العلاجية، وتحويلات العاملين في الخارج، والمساعدات والقروض، والاستثمارات الأجنبية سواء المباشرة (في الاقتصاد الحقيقي) أو غير المباشرة (في الأسواق المالية)، أو السندات والصكوك الصادرة من الحكومة والشركات والتي يشتريها مستثمرون في الخارج بالعملات الأجنبية. أما مصادر مدفوعات الدولة فهي عكس مصادر عائداتها، أي كلفة الواردات من الخارج، والسياحة الخارجية، والاستثمارات خارج حدود الدولة سواء المباشرة أو غير المباشرة، وتسديد أقساط القروض وخدمة فوائدها، والمساعدات التي تدفع إلى الخارج. وإذا كان الفارق بين العائدات والمدفوعات لمصلحة العائدات فيضاف إلى الاحتياط، وإذا كان ثمة عجز فيموَّل من رصيد الاحتياط ما يؤدي إلى تراجع قيمته. وتتمثّل أهمية قوة الاحتياطات الأجنبية لأي دولة في أنها توجِد قاعدة قوية من العملات الأجنبية تحد من نسبة انكشاف الاقتصاد الوطني على الأخطار الخارجية، إضافة إلى أهميتها في تعزيز السياسة النقدية، وتعزيز سعر صرف العملة الوطنية، وزيادة ثقة الأسواق في إمكانيات الاقتصاد، وقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها. وبادرت مؤسسات التصنيف الدولية إلى خفض التصنيف الائتماني للعديد من دول المنطقة ومنها، مثلاً، مصر والأردن، نتيجة التراجع الكبير في احتياطاتها من العملات الأجنبية بسبب الظروف الاقتصادية والمالية والسياسية الاستثنائية. وللاحتياطات الأجنبية أهمية في مساعدة الدول على القيام بعمليات التبادل المختلفة مع دول العالم في سهولة من دون خوف من أخطار تذبذب سعر صرف العملة الوطنية التي تعتبَر في أي دولة مرآة لميزان مدفوعاتها. كذلك تعتبَر الاحتياطات الأجنبية مقياساً للملاءة المالية التي يتمتع بها أي اقتصاد وصمام أمان يحميه من أي صدمات. وبلغت الاحتياطات الأجنبية في الأردن، مثلاً، ذروتها في كانون الثاني (يناير) 2011 أي مع بداية «الربيع العربي» فبلغت قيمتها 12.2 بليون دولار ما يكفي لتغطية احتياجات المملكة ل 7.7 شهر، علماً أن فترة التغطية المقبولة وفق المعايير والمقاييس الدولية المتعارف عليها هي ثلاثة أشهر. وخلال عام 2011 وحتى نهاية نيسان (أبريل) الماضي، تراجعت قيمة الاحتياطات الأجنبية إلى 8.7 بليون دولار، وهي تكفي لتغطية احتياجات الأردن ل 5.5 شهر. ويعود تراجع الاحتياطات الأجنبية في صفة أساسية إلى تراجع دخل السياحة وحوالات العاملين في الخارج، وتراجع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر نتيجة الظروف السياسية الاستثنائية، إضافة إلى الارتفاع الكبير في الفاتورة النفطية التي تستنزف أكثر من 30 في المئة من قيمة استهلاك الأردن للعملات الأجنبية، وكذلك ارتفاع العجز في الميزان التجاري إذ بلغت قيمة واردات الأردن عام 2011 نحو 13 بليون دينار (18.4 بليون دولار) بينما بلغت قيمة صادراته 5.6 بليون دينار، فبلغت نسبة تغطية الصادرات للواردات 43.5 في المئة. ويعود تحسن رصيد الأردن من العملات الأجنبية خلال هذه الفترة إلى العديد من العوامل، خصوصاً توقعات ارتفاع حوالات المغتربين خلال هذا العام بعد ارتفاع قيمتها إلى نحو بليون دينار خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، مع توقعات بتحسن قيمتها خلال هذه الفترة نتيجة موسم الإجازات الصيفية، إضافة إلى توقعات نمو الدخل السياحي الذي ارتفع بنسبة 15 في المئة خلال الأشهر الخمسة الأولى، مع توقعات بأن تساهم الظروف الأمنية الاستثنائية في المنطقة في تدفق أعداد كبيرة من السياح الخليجيين والعرب إلى الأردن سواء للسياحة الترفيهية أو العلاجية. ويتوقَّع أن يساهم تراجع سعر النفط خلال هذا العام في انخفاض قيمة فاتورته والتي بلغت العام الماضي نحو 5.2 بليون دولار. ومع تراجع أسعار المواد الغذائية أيضاً وبنسبة 27 في المئة، وأسعار الحبوب بنسبة 28 في المئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، ستراجع فاتورة الغذاء، كما أن تراجع سعر صرف اليورو في مقابل الدولار وسط ارتباط سعر صرف الدينار الأردني بالدولار، سيساهم أيضاً في انخفاض قيمة واردات الأردن من الدول الأوروبية والتي تشكل 20 في المئة من قيمة الواردات الإجمالية. ويرجَّح كذلك انخفاض قيمة قروض الأردن المقومة باليورو. ولا بد من الإشارة إلى المساعدات الكبيرة التي أعلنتها دول الخليج لبعض الدول العربية ومنها الأردن والتي ستلعب دور مهماً في تعزيز ميزان المدفوعات، فيما يتوقَّع أن تقدم الدول المانحة وصندوق النقد الدولي للأردن قروضاً ميسرة بعد مبادرته إلى ترشيد سياسته المالية. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»