تتوزع مصادر العملات الأجنبية للدول بين عائدات الصادرات من سلع وخدمات، وعائدات السياحة من ترفيهية وتاريخية وعلاجية، إلى جانب تحويلات العاملين في الخارج، والمساعدات والقروض الأجنبية، وعائدات الاستثمارات الأجنبية، سواء المباشرة في قطاعات الاقتصاد الحقيقي كالعقارات والتصنيع، أو غير المباشرة في أسواق المال والسندات والصكوك الصادرة عن الحكومات والقطاع الخاص والمطروحة في أسواق المال الدولية. وتحد قوة الاحتياطات من العملات الأجنبية في أي دولة من نسبة انكشاف الاقتصاد الوطني على الأخطار الخارجية، وتساهم في تعزيز السياسة النقدية وسعر صرف العملة الوطنية، وزيادة ثقة الأسواق والمستثمرين والمقرضين في قدرة الاقتصاد والدولة على الوفاء بالالتزامات والمديونيات الخارجية، ما ينعكس إيجاباً على تصنيفها الائتماني. وتساعد قوة الاحتياطات الدول في القيام بعمليات التبادل التجاري بسهولة ومن دون تخوف من أخطار تذبذب سعر صرف العملة الوطنية. وهكذا أصبحت الاحتياطات الأجنبية مقياساً للملاءة المالية التي يتمتع بها الاقتصاد الوطني. ونتيجة الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية السلبية والاستثنائية التي تعرضت لها دول «الربيع العربي» منذ 2011، تعرضت الاحتياطات الأجنبية إلى تراجعات كبيرة نتيجة انحسار تدفقات الاستثمار الأجنبي والتقلص الكبير في دخل السياحة وانخفاض تحويلات العاملين في الخارج، ما أدى إلى تراجع الثقة في كثير من عملات هذه الدول وبالتالي تراجع سعرها في مقابل الدولار وغيره من العملات الدولية. وكانت النتيجة ارتفاع كلفة الواردات وازدياد مستوى التضخم وخفض التصنيف الائتماني، ما زاد صعوبة الحصول على القروض من الأسواق الدولية ورفع كلفتها. ولجأ معظم هذه الدول إلى صندوق النقد الدولي، أو ما يطلق عليه صندوق الطوارئ أو المقرض الأخير، للحصول على قروض ميسرة لكن وفق شروط يضعها الصندوق في ما يخص حزمة السياسات الواجب تطبيقها والتي غالباً ما تتناول قضايا مهمة، في مقدمها ضبط عجز ميزان المدفوعات وعجز الموازنة والسياسات المالية التي تتبعها الدول على صعيد سياسة الدعم وآلية تسعير السلع والخدمات العامة. واضطرت هذه الدول وتحت ضغوط سياسية واجتماعية إلى الاستمرار في دعم عدد كبير من السلع، في مقدمها الطاقة التي ارتفعت فاتورتها بنسبة كبيرة، إضافة إلى ارتفاع الأسعار العالمية للعديد من السلع المستوردة، ما تسبب بارتفاع مستمر في عجز الموازنة وقيمة الديون الخارجية والداخلية، وتشديد المقاييس الدولية المستخدمة في تقويم كفاية الاحتياطات الأجنبية لأي دولة، أهمها تغطية كلفة الواردات لثلاثة أشهر على الأقل، ونسبة هذه الاحتياطات إلى الديون الخارجية القصيرة الأجل وإلى كتلة معروض النقد، وقدرة الاحتياطات على تغطية نسبة مهمة من ودائع غير المقيمين بالعملات الأجنبية لدى الجهاز المصرفي. ويُلاحظ أن نسبة مهمة من المحللين لا تأخذ في الاعتبار قيمة الاحتياطات الأجنبية المتوافرة لدى الجهاز المصرفي والتي تتجاوز لجهة القيمة احتياطات المصرف المركزي، علماً أن المستوردين والمصدرين يعتمدون على احتياطات المصارف في تبادلاتهم التجارية. وتحاول مصر، مثلاً، الحصول على قرض من صندوق النقد لتعزيز قيمة احتياطاتها الأجنبية في ظل نضوب هذه الاحتياطات نتيجة الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة، كما ساهمت بعض دول الخليج وفي مقدمها قطر والسعودية بتقديم مساعدات وودائع بالعملات الأجنبية لدعم احتياطات مصر وتعزيز سعر صرف الجنية المصري والذي تراجع بنسبة كبيرة هذا العام والعام الماضي. واستطاع الأردن، من جهة أخرى، وعلى رغم تعرض اقتصاده الوطني إلى أخطار مختلفة نتيجة الأوضاع السياسية والأمنية الاستثنائية في المنطقة وتأثره سلباً بالأوضاع الأمنية ونزوح عدد كبير من السوريين إلى الأردن، أن يعزز قيمة احتياطاته الأجنبية من خلال تدابير كثيرة، أهمها حصوله على قرض من صندوق النقد، وأعطى هذا القرض إشارات إيجابية إلى المستثمرين والمقرضين العالميين. واستفاد الأردن في هذا الصدد من مساعدات ومنح وودائع من دول خليجية، وبادر وللمرة الأولى في تاريخه إلى طرح سندات دين محلية بالدولار، إضافة إلى عزمه طرح سندات بالدولار قريباً، مخصصة للمغتربين الأردنيين في الخارج، على رغم أن الاحتياطات الأجنبية لدى المصرف المركزي تكفي لتغطية الواردات ستة شهور، إضافة إلى احتفاظ المصارف الأردنية بعملات أجنبية تفوق قيمة العملات الأجنبية لدى البنك المركزي. وساهم تحسن الأوضاع السياسية والأمنية في الأردن هذا العام بعد نجاح الانتخابات النيابية، في رفع مستوى الثقة بالدينار الأردني، ما أدى إلى ارتفاع حوالات المغتربين وتدفق بعض الاستثمارات الأجنبية. * مستشار أسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»