في مدينة البصرة بجنوب العراق، أقام عراقيون من أصولٍ أفريقية حفلة في مناسبة فوز باراك أوباما برئاسة الولاياتالمتحدة الأميركية عام 2009، واعتبروه نموذجاً لقصة نجاح الزنوج في العالم، وبعضهم قال إنه سيكون ملهماً لهم في العراق. وفيما لم يكن للملونين في العراق فرصة حقيقية للمشاركة السياسية، كانوا في حال نشاط غير مسبوق منذ إعلان أوباما ترشحه لمنصب الرئيس. لكن أصحاب البشرة السمراء في بلاد الرافدين يعانون مشاكل معقّدة، منها شعورهم الطاغي بالإقصاء وتعرضهم للتمييز بسبب لونهم، وعزلتهم التي تمنعهم من الاندماج في الحياة العامة. حتى اليوم، يصف الشارع العراقي الزنوج بالعبيد، ما يُشعر كثيرين بالإهانة والظلم. وعلى مدى عقود، أقله في التاريخ العراقي المعاصر، لم يعتد العراق تعيين ملوّن وزيراً أو في منصب رفيع في المؤسسات الحكومية، وصار عرفاً أن يعثر عليهم يقومون بأعمال مضنية في مقاربة تنسجم مع نظرة عامة مؤدّاها أنهم «عبيد». والواقع أن مستوى المعيشة لزنوج العراق منخفض جداً. ومن الصعب تقدير عدد الزنوج في البلد، لكن «حركة العراقيين الحرة» تؤكد أن عددهم حوالى مليون شخص. هذا الرقم لا تؤكده أية إحصاءات، والحال أن مؤسسات الإحصاء والتعداد لم تبد اهتماماً بهم. ومهما كان عددهم فإنهم موجودون في المحافظات الجنوبية، خصوصاً في مدينة البصرة. في شارع وسط البصرة نهاية نيسان (أبريل) الماضي، كان جلال ذياب يقود سيارته متجهاً إلى منزله قبل أن تنهي رصاصة مجهولة حياته. ذياب هو زعيم السود في العراق، ويترأس جمعية مدنية تدعى «حركة العراقيين الحرة»، تهتم بشؤون الملونين في العراق. الباحث العراقي سعد سلوم، زار ذياب سابقاً، وتعرف إلى جماعته الملونين. ويقول ل «الحياة» «كيف أصيب بالدهشة لثقافة قلما فكر العراقيون بالتعرف إليها». وفي غرفة للجمعية، ثمة صورة للناشط المدني الأميركي مارتن لوثر كينغ، وفي جوارها صورتان لأوباما. يقول سلوم إن «خط كينغ كان واضحاً لدى زنوج العراق الذين يحاولون تحقيق سيادة الاحتجاج اللاعنفي على الاضطهاد العنصري». قبل اغتياله، أدلى ذياب بتصريح صحافي جدّد فيه الشكوى من «الاحتقار» الذي يبديه العراقيون لأبناء جلدته. وقال إن «الطريق ما زال طويلاً أمامنا ليتقلد شبابنا مناصب عليا، لكننا كسرنا حاجز الخوف الذي ابتلع السود وحققنا الكثير». وأمضى الناشط المغتال السنوات الماضية في جمع الشكاوى حول التمييز ضد الجالية السوداء في البصرة، ومنها ما يشير إلى «تعمد المعلمين إذلال التلاميذ الزنوج». وسبق أن فاز صحافي عراقي، من أصول أفريقية، بمنصب رئيس نقابة الصحافيين في محافظة البصرة، لكنه تعرض لضغوط كبيرةٍ دفعته إلى ترك محله المهني. أحد الناشطين في مجال حقوق الزنوج قال إنه تنازل عن منصبه بسبب ما وجده من احتقار من الوسط الصحافي، مشيراً إلى أن الصحافيين رفضوا أن «يقودهم أحد العبيد». ويحاول سلوم، الذي انشغل لسنوات بحقوق الأقليات، التوصل إلى الطريق الذي جاء بالزنوج إلى العراق فيقول: «لا يتحدرون من سلالة واحدة، منهم من هو نوبي (من بلاد النوبة)، وزنجباري نسبة إلى زنجبار التي اشتق منها اسم زنجي الذي عرف به السود خلال ثورتهم المعروفة بثورة الزنج، وثمة من هو من غانا، وبعضهم من بلاد الحبشة (إثيوبيا حالياً)». كان جلال ذياب يفكر في كسر الحواجز، عبر إعلانه الجريء المشاركة في الانتخابات. لم يحالف الحظ زنوج العراق في عام 2009، ولم يتغير الحال عام 2013، وكان المجتمع قاسياً كما يقول سلوم، حين وصل إنكاره السود إلى درجة أن رصاصة اخترقت رجلاً أسود، ومعه فكرة عن عالم يتحمل التعدد والتنوع.