بيض. فسيخ. تحريم سعاد حسني، و»الدنيا ربيع والجو بديع» وعطلة رسمية للجميع. عيد الربيع الذي شم فيه قدماء المصريين النسيم قبل آلاف السنين، لم يعد مجرد ماء وهواء ووجه حسن، بل أضافت إليه القرون لمحات ولمسات من أسماك مملّحة وأفلام سينمائية مزمنة مثل «أميرة حبي أنا»، وأغان ربيعية تاريخية أبرزها «الربيع» لفريد الأطرش. أما السنوات فأسبغت عليه بريقاً من منتجعات ساحلية وحفلات صباحية تحولت إلى تجارة تستهدف الأغنياء الذين يأبون الاختلاط بالفقراء على كورنيش النيل أو حديقة الحيوان أو القناطر الخيرية. وتحول «شم النسيم» بعد سنتين من الثورة، ونحو سنة من تسلّم الإخوان الحكم، إلى مناسبة للتكفير وفرصة للتحريم وأجواء للاحتجاج ومظاهر للغضب. غضب مجموعات شبابية في يوم شم النسيم، لم يجد سوى «البيض» وسيلة مثلى للتعبير، في مسيرة اقترضت من الجماعة الحاكمة شعارها «نحمل الخير لمصر» فخرجت حاملة صورة الشهيد الشاب محمد كريستي وأطباقاً من بيض «شم النسيم» في فعالية «نحمل البيض للقصر»! وعلى رغم أن نتيجة رشق أبواب وجدران قصر الاتحادية بالبيض الملون والمزخرف بعبارات تراوحت بين «يسقط حكم المرشد» و»حكم المرشد باطل»، كان القبض على عدد منهم في يوم العيد، إلا أن الفعالية أضافت بعداً ثورياً جديداً إلى «شم النسيم». ولم يكن البعد الثوري وحده هو الإضافة الوحيدة، ورغم بزوغ نجم التكفير وسطوع وهج التحريم للاحتفال بهذا العيد على مدى سنوات مضت، فإن الوهج الثوري أضاف الكثير إلى فتاوى التكفير هذه السنة، لا من حيث حدة الآراء المصطبغة بالدين، ولكن من ناحية ابتكار المصريين في الرد عليها عملياً. فقد كسر المصريون هذا العام حاجز ال 300 ألف طن فسيخ (سمك مجفف ومملح) معادلين سابق أرقامهم القياسية في هذا الشأن، وهو أبلغ رد على من حاول أن يفسد فرحهم الضئيل ويشوه ابتهاجهم الشحيح. شوارع القاهرة التي خلت من المارة في يوم العيد، عكست إصراراً شعبياً على الاحتفال إذ عجت المتنزهات وكورنيش النيل والقناطر الخيرية والمدن الساحلية القريبة بملايين المحتفلين بهذه المناسبة القديمة. وعلى رغم الحادث الغرامي الأليم الذي أودى بحياة ثلاثة دببة إناث تقاتلت حتى الموت تنافساً على الدب الذكر في حديقة الحيوان - إحدى أشهر وجهات المصريين لشم النسيم - فإن الجميع تعاملوا مع ما حدث من منطلق «شر البلية ما يضحك». وشر الدمى التي تحرق أيضاً ما يضحك! فأمام تمسك أهالي مدن القناة السويس وبور سعيد والإسماعيلية بإحياء عادة إحراق دمية في شم النسيم (كانت دمية اللورد اللنبي الذي كان قائداً للقوات البريطانية وقت الاحتلال البريطاني) قرروا هذه السنة إدخال بعض التعديلات، إذ أحرقوا دمى تمثل رموزاً من النظام الحالي معلنين تمسكهم ب «شم النسيم» ولكن بطريقتهم الخاصة.