جسد احتفال الصحافيين ووسائل الإعلام التركية، كل على طريقته، باليوم العالمي لحرية الإعلام أول من أمس، عمق الهوة التي باتت تفصل بين صحافيي هذا البلد الذين يحاولون في كل مناسبة تحدي قمع الحكومة لأقلامهم، وبين وسائل الإعلام الكبيرة التي انحازت بالكامل للمصالح الاقتصادية لمالكيها مع حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، على حساب المعايير المهنية. جمعيات الصحافيين وبعض الصحف اليسارية الصغيرة وحدها تذكرت المناسبة الدولية، وتطرقت مجدداً إلى ملف قمع الصحافيين وسجنهم وطردهم من وظائفهم بضغط من الحكومة. وتظاهر عشرات من الصحافيين للمطالبة بإطلاق زملائهم السجناء، والذين يتجاوز عددهم في تركيا أي بلد آخر، وحتى الصين وإيران، فيما قرر آخرون تحدي أردوغان مباشرة عبر منح جوائز حرية الصحافة للسنة الحالية إلى صحافيين اثنين طاولهما قمع أردوغان مباشرة. أولهما نامق دوروكان من صحيفة «ملييت» الذي وصفه أردوغان بأنه «خائن» بعد نشره محضر اجتماع عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، مع نواب أكراد في السجن، والذي كشف تناقضاً واضحاً مع الرسائل العلنية لأوجلان التي تطالب بحل سلمي سياسي للقضية الكردية. ونالت الجائزة الثانية عائشة أرسلان التي قدمت برنامج «شارع الصحافة» في قناة «سي أن أن التركية» قبل «صدور أمر» بالاستغناء عن خدماتها مطلع السنة، في وقت تعرف بانتقادها ضغوط حكومة أردوغان على الصحافيين وحرية الرأي. في المقابل، تجاهلت وسائل الإعلام الكبيرة اليوم العالمي لحرية الصحافة، وآثرت قناة «سي أن أن التركية» بث برنامج حواري مطول عن «نظرية داروين والإسلام» صبّ فيه المشاركون جام غضبهم على العالم داروين ونظريته «المعادية للإسلام». وانشغلت قناة «أن تي في» بأخبار مزايدات الاستثمار الخاصة ببناء ثالث مطار في إسطنبول، والتي ستدر على الحكومة أكثر من 22 بليون يورو خلال ربع قرن. واستناداً إلى تقرير منظمة «صحافيون بلا حدود» في كانون الثاني (يناير) الماضي، حلت تركيا في المركز 154 عالمياً في ترتيب حرية الصحافة في الدول ذات الوضع الحرج، ما يعني تراجعها 3 مراكز عن العام السابق ، فيما لا يزال 69 صحافياً تركياً في السجن بتهمة الانتماء إلى «تنظيم إرهابي» لا تذكر مذكرات التوقيف اسمه. كما زاد إلى 450 عدد القضايا المرفوعة ضد تركيا أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في شأن حرية الرأي والتعبير. ومن القضايا المثيرة للدهشة، تحقيق السلطات مع أشخاص عاديين أشاروا ب «لايك» في صفحاتهم على موقع «فايسبوك» لرسوم كاريكاتورية لأردوغان. وكان التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان انتقد بشدة تراجع حرية الإعلام في تركيا، وكذلك تقرير الاتحاد الأوروبي الذي شدد على خطورة الأمر، واستغلال الحكومة للقضاء والضغوط الاقتصادية لتضييق الخناق على الصحافيين. يذكر أن عشرات من الصحافيين الأتراك المخضرمين اضطروا إلى ترك أماكن عملهم خلال السنوات الثلاث الماضية، بسبب انتقادهم سياسات أردوغان، ولأن معظم أصحاب وسائل الإعلام تربطهم مصالح اقتصادية مع مشاريع أردوغان التي تكبر وتتسع يوماً بعد يوم. ويقبع في السجن أكثر من 50 صحافياً بتهم مختلفة، منها دعم الإرهاب أو الانقلابيين في محاكمات طالت كثيرا من دون صدور أحكام في حقهم.