«أن تحمل سلاحاً مع حزب العمال الكردستاني، أفضل من أن تحمل قلماً في تركيا الآن، إذ ثمة أمل بالعفو عن المسلحين الأكراد، أما الصحافيون، فلا»! بات هذا التعليق شائعاً بين الصحافيين الأتراك وفي وسائل التواصل الاجتماعي، مع إطاحة كتّابٍ بارزين، بضغط من الحكومة، بعد كتابة مقالٍ أو اثنين يتضمنان انتقاداً لسياسة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي لا يتردد في استهداف كاتب محدد علناً، في خطاباته السياسية. والمثير أن قمع الصحافيين لم يستثنِ أخيراً، حتى الذين ساندوا أردوغان سابقاً أو ساهموا في دعم سياساته، من خلال كتاباتهم، على رغم اختلافهم معه أيديولوجياً. آخر ضحايا «السلطة الرابعة» هو الصحافي والكاتب حسن جمال الذي طالما تفاخر، خلال لقائه مسؤولين أجانب وعرباً، بأنه حفيد جمال باشا، أحد أشهر القيادات العسكرية العثمانية المنبثقة من «جمعية الاتحاد والترقي»، من دون أن يعلم أن أدبيات القراءة العربية لتاريخ ذاك الرجل، تلقّبه ب «السفاح» لأنه أعدم عشرات القوميين والمثقفين والصحافيين العرب في لبنان وسورية، خلال قمعه الحركات القومية العربية الوليدة قبل الحرب العالمية الأولى. وبعيداً من تاريخ جد ذاك الرجل، فإن حسن جمال الذي قارب السبعين من عمره، كان بين أهم مؤيدي أردوغان في توجّهه لتسوية القضية الكردية، من خلال الحوار مع «حزب العمال الكردستاني»، ولو في شكل غير مباشر. وتبرّع الرجل بزيارة القيادة العسكرية للحزب في شمال العراق، رغم مخاطر الرحلة ومشقتها، لنقل رسائل مهمة، حين انقطع الاتصال بين جهاز الاستخبارات التركية و «الكردستاني». بل كان حسن جمال الذي يُعتبر صحافياً مخضرماً، من الليبراليين الذين ساندوا سياسات أردوغان، في مواجهته مع الجيش والمؤسسة العسكرية، باسم دعم الديموقراطية والحكم المدني. لكن حسن جمال دأب، في مقالاته الأخيرة، على دعوة أردوغان إلى ترك الصحافيين وشأنهم، والامتناع عن الضغط عليهم، سواء من خلال انتقادهم علناً في خطاباته السياسية، أو الضغط على أرباب عمل الصحف أو القنوات حيث يعملون. وصعّد جمال حدة كتاباته، بعد حملة قاسية شنّها رئيس الوزراء على صحيفة «مللييت» التي يكتب فيها جمال، بسبب نشرها محضر لقاء الزعيم المُعتقل ل «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان، مع أول وفد نيابي كردي اجتمع به في سجنه في جزيرة إمرالي. واعتبر أردوغان ذلك خيانة للوطن وعملاً تخريبياً، فيما دافع جمال عن السبق الصحافي، مؤكداً أن الصحافة مهمتها كشف الحقائق، لا مساندة سياسة الحكومة في شكل مطلق. بعد نشر المقال، أوقفت الصحيفة حسن جمال عن العمل معها، بعد سنوات على الكتابة في صفحاتها. وبعد أيام على ذلك، استغنت صحيفة «خبر ترك» أيضاً عن الصحافية عمبرين زمان، وهي كاتبة مخضرمة في الشؤون الديبلوماسية، ومراسلة مجلة «ذي إيكونومست» النافذة في تركيا، إثر نشرها مقالاً في المجلة البريطانية دقّ ناقوس الخطر على حرية الصحافة في تركيا، واصفاً الآلية التي يضغط من خلالها أردوغان وحاشيته على وسائل الإعلام والصحافيين، لمنعهم من انتقاد سياساته. أتى ذلك بعد مقال آخر لزمان في الصحيفة التركية، ينتقد فرض الحكومة وصاية على الأخبار المتصلة بالوضع في سورية، وحقيقة الدور التركي هناك. والمفارقة أن زمان فقدت عملها، بالطريقة التي وصفتها في مقالها! واللافت أن رئيس نقابة الصحافيين إرجان إبيكجي يشير إلى تخوّف زملائه من إبداء تكافلهم وتضامنهم، في مواجهة قمع يُعتبر سابقة لحرية الإعلام في تركيا، ويفسّر ذلك بأن عشرات الصحافيين الذين فقدوا عملهم أخيراً، بسبب ضغط مارسته الحكومة، يُعتبرون محظوظين، لأنهم على الأقل لم يدخلوا السجن، في بلد بات يحمل رقماً قياسياً في عدد الإعلاميين المعتقلين. وكان أردوغان وصف الصحافيين وكتاب الزوايا المنتقدين له، بأنهم «كلاب»، معتبراً أنه «حرّرهم» من وصاية العسكر، وطالبهم بألا «ينكروا جميله».