مسجد الحوزة بعسير يتجدد بطراز يعود إلى أكثر من 14 قرن    إنفاذًا لتوجيهات القيادة .. وصول التوأم الطفيلي المصري محمد عبدالرحمن جمعة إلى الرياض    "إنجاب": دراسة تكشف بأن الشرقية الأعلى في العقم بنسبة 18%    جدة تستضيف الأحد مباحثات أمريكية – روسية بشأن وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا    "الخارجية الفلسطينية" تطالب المجتمع الدولي إلزام إسرائيل بوقف العدوان على قطاع غزة    إي اف چي القابضة تسجل إيرادات قياسية بقيمة 24.4 مليار جنيه، مدعومة بالنمو القوي لقطاعات الأعمال الثلاثة    "الأرصاد": أمطار رعدية غزيرة وسيول متوقعة على عدة مناطق بالمملكة    المملكة تدين قصف قوات الاحتلال الإسرائيلية للأراضي السورية    آمال العرب معلقة في تصفيات أفريقيا المؤهلة للمونديال    الاتحاد يعبر القادسية الكويتي في نصف نهائي غرب آسيا لكرة السلة    الأخضر يرفع استعداداته لمواجهة الصين في تصفيات كأس العالم    "الحياة الفطرية": لا صحة لإطلاق ذئاب عربية في شقراء    الغياب الجماعي للطلاب.. رؤية تربوية ونفسية    "التعليم" تعلن القواعد التنظيمية لبرنامج فرص    فيتش: تحسن محدود لمؤشرات البنوك    الخوف من الكتب    «الملكية الفكرية» : ضبط 30 ألف موقع إلكتروني مخالف    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    رأس الاجتماع السنوي لأمراء المناطق.. وزير الداخلية: التوجيهات الكريمة تقضي بحفظ الأمن وتيسير أمور المواطنين والمقيمين والزائرين    وزير الداخلية يرأس الاجتماع السنوي ال32 لأمراء المناطق    المملكة تدين وتستنكر الهجوم الذي استهدف موكب رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية    مجلس الوزراء يستعرض مسارات دعم المشروعات التنموية والخدمية    نائب أمير منطقة جازان يكرّم الفائزين في مسابقة الملك سلمان المحلية لحفظ القرآن الكريم    قطاع ومستشفى بلّسمر يُنفّذ حملة "صم بصحة"    نائب أمير منطقة جازان يكرّم الطلبة الفائزين بجائزة "منافس 2024م"    انطلاق أعمال الجلسة ال144 للجنة الأولمبية الدولية في أولمبيا    "خطاب الإنتماء" ندوة علمية في تعليم سراة عبيدة ضمن أجاويد3    طويق بطلاً لبطولة جود الشمال لكرة القدم بالحدود الشمالية    ديوانية غرفة تبوك الرمضانية بوابة لتعزيز الشراكات وترسيخ المسؤولية الاجتماعية    نائب أمير تبوك يطلع على التقارير السنوي لتنمية الموارد البشرية هدف    المودة تحتفي باليوم العالمي للخدمة الاجتماعية بتأهيل 6,470 أخصائيًا    التخصصات الصحية تعلن بدء التقديم على 3 برامج تدريبية    إطلاق الدورة الثانية لفرع هيئة الصحفيين بعسير وتوقيع شراكات استراتيجية    مبادرة "عون تقني" تقدم خدماتها لضيوف الرحمن    نائب أمير حائل يستقبل عددًا من أبناء مركز الدكتور ناصر الرشيد لرعاية الأيتام بالمنطقة    16 مصلى لكبار السن وذوي الإعاقة بالمسجد النبوي    وزير السياحة يتجول في معالم المدينة    منتخب "23" يواجه عمان في افتتاح "غرب آسيا"    رئيس الاتحادين الكويتي والآسيوي للألعاب المائية الشيخ خالد البدر الصباح: الألعاب المائية في آسيا أسرة واحدة    الكشخة النفسية    النقد الأدبي الثقافي بين الثوابت المنهجية والأمانة الفكرية    440 مبتعثا صحيا وكندا الوجهة المفضلة ب33 %    موسم ثالث للتنقيب الأثري بالليث    الذاكرة المستعارة في شارع الأعشى    11% انخفاض ضبطيات الدراجات المخالفة    "أخضر الشاطئية" يكثف تحضيراته للمشاركة في كأس آسيا    هدايا الخير لمرضى ألزهايمر    3 جهات للإشراف على وجبات الإفطار بالمدينة المنورة    منصات وزارة الداخلية تُكثّف توعية قاصدي المسجد الحرام والمسجد النبوي خلال شهر رمضان    دعوات ومقاعد خاصة لمصابي الحد الجنوبي في أجاويد 3    مراكز متخصصة لتقييم أضرار مركبات تأجير السيارات    الإدارة العامة للأمن المجتمعي.. تعزيز الحماية وصون الكرامة    إقبال على دورات الإنعاش القلبي    تبقى الصحة أولى من الصيام    محافظ الطوال يشارك في الإفطار الرمضاني الجماعي للمحافظة    العلم الذي لا يُنَكّس    مات اللواءُ علي ولم تمُت مآثره    وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية يتفقّد قوات الأفواج بمنطقة نجران    









موقف العقلانيين العرب من الفكر الإسلامي المستنير!
نشر في الحياة يوم 04 - 05 - 2013

مثير للانتباه ذلك التأكيد المستمر من العقلانيين العرب على حاجتنا إلى استلهام التراث التنويري الأوروبي بلغة تدعو لاجتراره. ويتماشى مع هذا النزوع وينتج منه التأكيد باستمرار على حاجتنا إلى مارتن لوثر مسلم يتبعه فولتير عربي كما يقول أحدهم.
تأتي نزعة التأكيد على استلهام التراث الأوروبي من عقيدة تفترض وجود سياق تاريخي ما يجب على كل الأمم خوضه. وأن ما ينطبق على الأوروبيين في القرون الوسطى ينطبق على العرب اليوم. وكأن التاريخ كائن عاقل يملك مساراً حتمياً يقود لغاية ما. وأظن الحديث عن غائية أو حتمية من هذا النوع مثيراً للسخرية. فحتى لو تشابهت الأحوال في بعض ملامحها، إلا أن الاختلاف لا يمكن أن ينكر إلا ممن يعتبر التطابق بين التاريخين أيديولوجيا.
المثير أن بعض العقلانيين العرب المتحسرين على عدم وجود مارتن لوثر إسلامي يشككون في نزاهة ونوايا وأطروحات «الإسلام المستنير»، الذي يفترض أنه يقابل الإصلاحات اللوثرية الكنسية، ويأتي هذا التشكيك لاعتبارات عدة: أن الإسلام المستنير خدعة مرحلية هدفها الوصول إلى السلطة، وبمجرد حدوث هذا حتى يكشف الإسلاميون عن أنياب أصولية فاشية مستبدة. الاعتبار الثاني: أن التنوير لا يمكن أن ينطلق من منطلق ديني، بل هو بالضرورة منتج حداثي لائكي. من هنا أذكر على سبيل المثال تأكيد الناقد علي حرب على تناقض نصر حامد أبو زيد عندما ينتقد الخطاب الديني، ويؤمن في اللحظة ذاتها بقدسية النص الديني المؤسس.
قد تبدو الرؤية متناقضة هنا بين من يشكك في نوايا الطرح الإسلامي المستنير، ويرفض المنطلقات الدينية للتحديث من ناحية، ومن ناحية أخرى بين من يدعو لتنوير ديني على غرار مارتن لوثر أو كالفن، لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أن حديثي عن فئة غير متجانسة، ومتناقضة أحياناً. فالعقلانيون العرب ليسوا حزباً سياسياً يتبعون منهجاً واحداً، بل هم خليط متنوع، يجمع جلهم تقديس التراث الأوروبي كسلفية أنوارية توازي السلفية الدينية، التي تروق للمزاج الشعبي.
كما أشير هنا إلى أن استخدامهم مصطلح «الخطاب العقلاني» لوصف أنفسهم هو وصف منحاز، وكأن الخطاب الإسلامي - بتنوعاته - خطاب لا عقلاني، وإذا تعاملنا مع التعريفات المنوعة للعقلانية، يمكن القول بصيغة ما إن مشكلة الخطاب «السلفي» أنه خطاب عقلاني بتطرف، كما أشار محمد أركون، وأعني هنا تحديداً نزعة السلفية نحو العقلانية الصورية. لكن ما أريد الإشارة إليه أنني استخدم التسمية التي يستخدمونها لأنفسهم.
يكثر في كتابات العقلانيين العرب التحسر على عدم وجود جون لوك أو جان جاك روسو، بينما عند مراجعة كتابات هؤلاء نجدها لا تختلف عن أطروحات الإسلام المستنير اليوم، بل - وهذا طبيعي لعوامل تاريخية - إن كتابات الإسلام المستنير اليوم أكثر «تقدمية» من كتابات لوك وروسو التي تدعو أولئك العقلانيين العرب إلى استلهامها. وسأتحدث هنا عن «رسالة في التسامح» لجون لوك.
لوك لا يطرح التسامح باعتباره حقاً إنسانياً مبنياً على عقلانية حداثية أو على مبدأ ليبرالي، بل هو يتحدث عن التسامح كمعطى مسيحي، ويتحدث عن تسامح بين كنائس مسيحية، ويشير في شكل عابر إلى التسامح مع اليهود وإلى الفائدة العقلانية للتسامح. ومن هنا هو يرفض التسامح تماماً مع الملحد، فضلاً عن تجاهل الحديث عن الوثني.
فالأساس الذي ينطلق منه لوك لتشريع التسامح هو أساس إنجيلي، يقول لوك: «إن التسامح بين الذين يعتقدون عقائد مختلفة في أمور الدين يتسق تماماً مع العهد الجديد الذي أتى به السيد المسيح، كما يتماشى مع مقتضيات العقل الإنساني الحق». من هنا كان الأساس الديني مقدماً في استدلال لوك على الضرورة العقلانية للتسامح. وهذا ما يفسر النص الصريح في عدم التسامح مع الملاحدة، إذ يقول: «وأخيراً لا يمكن التسامح على الإطلاق مع الذين ينكرون وجود الله».
والسبب كما يطرحه لوك لتبرير عدم التسامح مع الملحدين «الوعد والعهد والقسم، من حيث هي روابط المجتمع البشري، ليست لها قيمة بالنسبة إلى الملحد، فإنكار الله، حتى لو كان بالفكر فقط، يفكك جميع الأشياء». ليست المشكلة في جون لوك أنه - كما لدى روسو - يطرح رؤية دينية بصيغة ما للعلاقة بين المواطنين في إطار الدولة، بل المشكلة في المثقفين العرب الذين يدعون لاستلهامها تارة – على رغم تخلفها بمعاييرنا الحالية – وفي اللحظة ذاتها يرفضون الأفكار ذاتها من الإسلاميين.
يكثر اليوم في الأدبيات الإسلامية الحديث عن آداب الاختلاف بين أتباع المذاهب الإسلامية، من شيعة وسنة وصوفية وغيرهم. في المحصلة العامة فإن موقف الفقيه الداعي للتسامح بين المذاهب الإسلامية هو مرادف تماماً لموقف جون لوك «المنظر الليبرالي» للتسامح. ومن يدعو للتسامح مع البشر من هؤلاء الفقهاء بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية وعقائدهم يطرح موقفاً متقدماً جداً على موقف لوك الذي يطرح الإشكال كإشكال مسيحي كنسي خالص، يستبعد منه اللادينيين ويتحدث عن اليهود على استحياء.
موقف العقلاني العربي اليوم يقوم على استبعاد أن لوك يتحدث من منطلقات مسيحية، وأن الكثير من الفقهاء والمفكرين والدعاة الإسلاميين يطرحون اليوم قضية التسامح والحق بالاختلاف بين المذاهب الإسلامية وحتى بين المواطنين المختلفين دينياً في إطار الدولة الحديثة في شكل أكثر انفتاحاً من لوك. لكن رد فعل هذا المثقف يتمثل في وصف موقف هؤلاء بالمتلون، ويعتبرهم ينتمون للإسلامي السياسي المتطرف الذي يعيش مراحل كمون!
* كاتب سعودي.
bnalrashed@gmail.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.