«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جسدي في باريس وروحي في العالم العربي.. ولو لم ألتق أركون لأصبحت شاعراً!!
.. المفكر هاشم صالح في حوار مع "ثقافة اليوم"..
نشر في الرياض يوم 27 - 11 - 2008

لا يوجد شخص ربما أكثر من المفكر السوري الأصل هاشم صالح قادر على الإجابة على الأسئلة الهامة حول واقعنا الفكري. أنه الأجدر بالإجابة عن أسئلة مثل متى يحين موعد تحررنا الفكري، ومتى نتجاوز عقلية القرون الوسطى، ومتى ننخرط في الحداثة. فهذا المفكر المتواضع صاحب الأسلوب القريب من القلب منخرط من أكثر من ثلاثين عاماً في عمق هذه القضية الجوهرية التي لاتهم فقط المسلمين وحدهم بل العالم أجمع. وينطلق هاشم صالح من زاوية ملفتة عندما يتحدث عن الوضع العربي بالمقارنة مع التنوير الأوروبي. إنه يدفع العالم العربي والإسلامي إلى ذات المسار الذي حدث في التاريخ الأوروبي لدرجة أن الغائصين بكتاباته العميقة والساحرة يؤرخون لأنفسهم وكأنهم يعيشون في أوروبا القديمة ويتساءلون: أين التنويريون! هاشم صالح عبر كتبه أو ترجماته لكتب المفكر محمد أركون أوالشروحات والمقدمات الهامة التي يكتبها أو مقالاته أو الكتب التي يستعرضها يضعنا في وسط هذه الدراما الصراعية والملحمية بين قوى العقل وقوى الظلام. ولاشك أنه من أحد أكبر مقاتلين التنوير مهارة وشغفا وفروسية. سيذكره التاريخ بصورة الشاب السوري الوحيد الذي ذهب لباريس ليكون شاعراً وناقداً ولكنه كان واحدا من أكثر الرجال الذين شاخوا وهم يقاتلون في معركة التنوير والنهضة الشرسة. هنا مقتطفات من الحوار معه:
@ ارتبط اسمك بالتنوير بشكل وثيق، هل يمكن أن تحدثنا عن بداية هذا الارتباط؟
- أظن أن هذه العلاقة بدأت منذ الطفولة. تلقيت العلوم الدينية عن طريق التلقين من الوالد ومن المجتمع والبيئة ودون نقاش ولا أسئلة. عندما كبرت شعرت أن هناك مشكلة بين التعليم الحديث الذي تلقيته في الثانوية ثم الجامعة في سورية وما بين التربية الدينية التقليدية حيث وجدت أن هناك تناقضات كبيرة، ومن هذا الوقت المبكر بدأت الأسئلة. ثم انفتحت على كتابات المصريين واللبنانيين، مثل طه حسين وعباس محمود العقاد، وجبران خليل جبران ومخائيل نعيمة، وحاولت أن أخرج من النطاق الضيق ومن تربيتي التقليدية التي لا أنكر أن فيها بعض الايجابيات الروحية والأخلاقية التي اعتبرها زاداً لي ولم أتراجع عنها ومازلت استبطنها في داخلي. كذلك فلاسفة التنوير أخذوا بالمبدأ القطعي من ناحية الأخلاق، إذا عملت خيراً كأنك عملته للبشرية جمعاء، أو تعمل الخير بمثل ما تحب أن يعمل الآخرون الخير لك.من هنا أعتقد بدأت حاجتي للتنوير لحل مشاكلي وأسئلتي الخاصة.
@ هل كان لهذا التعليم التلقيني أي تأثير على شخصيتك التي يتضح شغفها بالتنوير ونزعتها التحريرية؟
- نعم لا شك في ذلك ولكن هذا جاء بشكل أقوى فيما بعد. حينما تركت سورية عام 1976انطلقت الموجات الأصولية على أنواعها الخمينية، والاخوانية وغيرها من الموجات الأصولية وأحسست أنها ستهدد المجتمع نفسه وتدخله في انقسامات بين العرب وبين المسلمين والمسيحيين وبين السّنة والشيعة. كانت هذه مسألة ضخمة جدا تحتاج إلى تشخيص وحلول وعلاج. وعندما وصلت إلى فرنسا كانت الأسئلة عن التراث الإسلامي تضج في أعماقي ضجيجاً وتغلي غلياناً، وأتساءل عن ما هو الإسلام بالمعنى التاريخي للكلمة وما معنى القرآن بالمعنى التاريخي كذلك، وما معنى النقد الفلسفي للدين. كل هذه التساؤلات في الحقيقة كانت من أجل الإجابة عن مشاكل الواقع العربي الإسلامي التي لا تزال متصاعدة الآن. من حسن حظي أني تعرفت على الأستاذ محمد أركون في السوربون حيث كان يعمل، وبالصدفة تعرفت عليه، واعتبره أكبر مفكر في الإسلام بالمعنى الفلسفي للكلمة في هذا العصر. ومن حسن حظي كذلك أنه من أشرف على أطروحتي. كان هدفي في البداية أن تقوم دراساتي على النقد الأدبي حيث كنت شاعراً ولم تكن علاقتي بالفلسفة بذات القدر. ولكن حينما وجدت في فرنسا الحوار الفكري العميق والقوي حول الإسلام بما يتضمن من إضاءات تاريخية وأدبية وألسنية واجتماعية فلسفية حول التراث الإسلامي، قلت إنني لقد وجدت ضالتي. ولاحظت أن النقد الأدبي ينحصر في مجال محدود، وبالتالي مهمتي أصبحت فكرية وتنويرية. أعتقد أن ذلك تم عن طريق المصادفات.
@ قبل انتقالك في فرنسا، هل كان لديك اهتمامات بالتنوير ونقد الفكر الديني؟
- كان اهتماماتي في أغلبها أدبية في ذلك الوقت. بداية كتاباتي عن الدين كانت بعد أن وصلت إلى فرنسا، وأول مقال كتبته كان عن محمد أركون نفسه ونشرته مجلة المعرفة السورية والمقال كان بعنوان (جولة في فكر محمد أركون.. نحو أركيولوجية جذرية للفكر الإسلامي). وكنت خائفاً ألا يتم نشر المقال لأنني لم أكن معروفاً وكان ذلك في الثمانينيات وكان عمري تقريباً ( 30سنة)، وقد فوجئت بنشر المقال في مجلة المعرفة السورية وبشكل جيد، وبدءاً من ذلك الوقت قدمت هذا الفكر التنويري حول الإسلام.هذا الفكر الناضج القوي لمحمد أركون. من الظلم أن يبقى في السوربون. وهو لنا وليس للفرنسيين أو الغرب الذي لديه فلاسفته ومفكروه. نحن ينقصنا المفكرون الذين يستخدمون هذه المنهجيات الحديثة، ويعرفون كيف يطبقونها على تراثنا العربي الإسلامي.
@ ذكرت في حد كتاباتك أنك لو لم تكن تتعلم الفرنسية لتغيرت كل مسيرتك! وان انتقالك إلى فرنسا كان عبارة عن نوع من الانفصال الكبير على المستوى الفكري وحتى على المستوى الوجداني؟
- في يوم 1976/10/8وصلت إلى فرنسا وأكمل الآن 32عاماً من وجودي فيها. مازلت أذكر هذا التاريخ تماماً وهو تاريخ ميلادي الثاني لأن باريس تعتبر مدينة النور والعلم والفكر المستنير والفلسفات إضافة إلى الحركات الفكرية والفلسفية مثل البنيوية والسريالية وغيرها. إضافة إلى الحرية الفكرية الموجودة فيها والجامعات والمكتبات واللغة الحديثة، ولا ننسى أن في لغتنا العربية هناك علوم كثيرة غير متوافرة. في الجامعات المغربية مثلاً يتم تلقي بعض العلوم بالفرنسي، وفي دول الخليج يتم تلقي بعض العلوم بالانجليزية وهذا ما يحتم علينا أن نقوم بحركة ترجمة واسعة من أجل نقل العلم الحديث إلى العالم العربي لأنه ليس هناك مراجع لبعض العلوم بلغتنا العربية، فهذا حرام أن يكون بعيداً عن لغاتنا العربية التي تعتبر لغة تاريخية عظيمة صنعت حضارات في الماضي وليس من المعقول أن تصبح لغة مهمشة علمياً، وأن نكون فقط لغة أدب وشعر وفقه ونثر، بل ينبغي أن تكون اللغة العربية لغة فكر وفلسفة ولغة علوم كيميائية وفيزيائية وتاريخ وآداب وعلوم إنسانية ، وهذا أحد همومي الأساسية.
@ بعد وصولك إلى فرنسا والتقائك بمحمد أركون انغمست في إنتاج هذا المشروع الكبير المتعلق بالتنوير كمترجم وكمؤلف.
- في حقيقة الأمر عملت على جبهتين. جبهة ترجمة محمد أركون باعتباره مفكراً عربياً، ولا شك أن فلاسفة التنوير الأوروبي تركز عملهم في التراث المسيحي، وصحيح أني عمدت إلى نقل نظريات فلاسفة أوروبا مثل فولتير وكانط وهجيل وغيرهم الذين قاموا بتنوير التراث المسيحي، ولكن في الوقت نفسه أنقل كيف ينور ويسلط محمد أركون أضواء الفلسفة الحديثة والعلوم الإنسانية الحديثة على تراثنا الإسلامي، وبالتالي أنا كضارب عصفورين بحجر واحد، عربي وإسلامي من جهة عندما اشتغل على أعمال أركون سواء من حيث ترجمة أعماله وشارحاً لكتاباته. ومن جهة أخرى عندما أكتب مقالاتي، أو عندما أنشر كتبي مثل (مدخل إلى التنوير الأوربي) أو مشاركاتي وعروض الكتب الأخرى التي أنقل فيها مثلاً كيف أضاء فولتير التراث المسيحي وغيرها من حركات التنوير الضخمة، ثم أجري مقارنة بين تلك الدراسات والعلوم والفلسفات.
@ من الواضح أن كتبك ومقالاتك تركز على التنوير الأوروبي ولكن من أجل أن يحدث شيء شبيه له في عالمنا الإسلامي.
- هؤلاء المفكرون الكبار سبق لهم أن مروا بظروف صعبة. مثلا فولتير كان يعاني من التضييق والتهديد بالقتل، حيث أمضى أكثر من 30عاماً خارج باريس ولم يستطع العودة إليها، وكان أحياناً يختفي خوفاً من اليسوعيين الذين كانوا يهددونه من وقت لآخر، وجان جاك روسو كذلك تعرض لصعوبات جمة حيث كان يتم حرق كتبه في باريس مثل كتبه عن التربية أو العقد الاجتماعي وكتب أخرى أحرقت في القصر العدلي في باريس، وأخيراً عاد إلى سويسرا بلده الأصلي لعلهم يحمونه ولكن مع ذلك تعرضت كتبه كذلك للحرق وهرب إلى الجبال. لهذا نجد أن هؤلاء المفكرين كأنهم يقولون للمفكرين العرب لماذا لا تضحون بطمأنينتكم وتضحون كذلك برزقكم وبرفاهيتكم، إذ ليس من الضروري أن يكون المثقف مرفهاً. جان جاك روسو عاش كل حياته على الهامش وعلى دخل مادي ضعيف، وهذا لم يمنعه من أن يكون أكبر فيلسوف استطاع أن يأتي بأفكار انبعثت عنها الثورة الفرنسية، والثورة الرومانطيقية بألمانيا. الهدف من حديثي هذا لأؤكد أن هناك تفاوتاً تاريخياً بيننا كعرب ومسلمين وبين الأوروبيين. فإذا لم نستوعب هذا التفاوت سنتعب ويجب أن نفهم أن الزمن العربي الإسلامي ليس هو الزمن الأوروبي، وأنا حينما أكتب عن مجتمعي الذي يعيش ما قبل باريس ب 200سنة فيما يخص الدين لأن الإصلاح الديني والنهضة كانا متزامنين في أوروبا، وهذه المقارنة كثيراً ما أكون مجبراً عليها لأنني أعيش بين عالمين فأنا عشت في باريس أكثر من معيشتي في سورية. 32في فرنسا و 26سنة في سورية، وأعيش كذلك بين لغتين كمترجم بين الفرنسية والعربية.
@ هل يمكن أن ينتقل المسلمون إلى الحداثة دون أن ينتقدوا الماضي والتراث؟ وبصرف النظر عن التجربة الأوروبية هل تعتقد أن ذلك يعد شرطاً أساسياً للانتقال إلى الحداثة؟
- مطلوب من المفكر في هذه الحالة أن ينخرط في معركة مع الذات، ومع الذات التراثية لكي يفهم الأمور بوضوح، وهذا الموضوع أكد عليه رينيه ديكارت في كتابه (مقال في النهج) فقال: (أنني قررت أن أدمر الأفكار السابقة لكي أؤسس علماً على أسس قوية متينة بعلم جديد وفلسفة جديدة). وليس قصدي أن ندمر التراث العربي السابق فنحن جئنا من هذا التراث ولن نستطيع أن ندمر التراث العربي الإسلامي الطويل والعريض عمره يزيد على 14قرناً فيه جوانب مضيئة. محمد أركون يقول ان أكبر مصيبة أصابت المسلمين بعد الدخول في عصر الانحطاط هي القطيعة مع التيار الإنساني والعقلاني الذي ازدهر في القرنين الثالث والرابع للهجرة. وتيار التوحيدي ومسكويه وابن سينا والفارابي والجاحظ، وعشرات المفكرين العرب والمعتزلة. فنحن لا ندعو إلى قطيعة مع تراثنا العربي الإسلامي وإنما ندعو فقط إلى الجوانب المضيئة التي طمست بعد الانحطاط. وبعد الانحطاط وحتى اليوم ليس هناك تركيز إلا على التيار الآخر الأصولي ولا نجد إلا القراءة الحرفية للقرآن الكريم، الانزلاق العقائدي ومعاداة العقل والفلسفة، فهذا الشيء لم يكن موجوداً في العصر الذهبي المزدهر. ونحن نقول انه لابد من نبش التراث في جانبه المضيء وليس فقط في الجانب الذي يأخذ به الأصوليون المضاد للعقل والفلسفة.
@ هناك آراء برزت في الآونة الأخيرة تقول إن نقد الماضي ليس شرطاً أساسياً لتأمين المستقبل، فبعض الأحيان يقفز العامل الاقتصادي بالمجتمعات بسرعة إلى التقدم، مثل ما حدث في أكثر من مكان ، وأحياناً يكون العامل السياسي القائم على العلمانية المتطرفة مثل ما حدث في تركيا مساعد على التقدم دون المرور إلى نقد التراث؟
- لا أعتقد أن هذا يمكن أن يقوم بالدور المطلوب.لاشك أن الجوانب الاقتصادية والسياسية تلعب دوراً كبيراً في التقدم، ولكن المصالحة مع التراث هي إجبارية. حتى في تركيا نفسها هناك أمور كثيرة تحصل فيما يخص نقد التراث. مثلا مفتي اسطنبول استقبل بابا روما ودعا إلى مساهمة المسلمين في الحضارة العالمية عن طريق النقد الفكري، أما الذين يقولون: ها هي اليابان نهضت دون مفكرين، فأقول لهم إن في اليابان علماء وفلاسفة ومفكرين يناقشون نظريات وأفكاراً، وهناك أناس يخرجون على عقيدة الإمبراطور المقدس ويطرحون أسئلة على التراث الياباني الديني. يجب علي أن أؤكد هنا بأنه لا يجب أن يخاف الناس على الدين والتراث بعد عملية المصارحة التاريخية معه، أو تطبيق المناهج الحديثة عليه فلن ينهدم ولن يموت بالعكس سوف يبدو على حقيقته ناصعاً، وسوف نتخلص مما هو قشور ميتة، وسوف نتصل بما هو مضيء به، مثل ابن سينا وابن عربي وابن خلدون وابن رشد، والمعتزلة والفلاسفة، وبالروحانيين. للأسف أن الناس يخافون من انتهاء الدين بل العكس لم ينته الدين وسيخرج بشكل جديد مضيء، وسيظهر هناك فهم آخر للدين الإسلامي ولتراثنا، ولا أدري لماذا كل هذا الخوف.
@ باعتبارك مطلعاً على التجربة الأوروبية المستنيرة وكذلك مطلعاً على تجربتنا العربية الإسلامية، فأين نقف الآن بالنسبة للعمل التنويري الإصلاحي. هل نحن في مرحلة توما كويني أم لوثر، أم مرحلة ديكارت، أم ماذا ؟
- بيننا وبين الأوروبيين تفاوت تاريخي ربما يزيد على ثلاثمائة سنة، فنحن نعيش كل العصور دفعة واحدة. أحياناً عندما أفكر أقول إن هناك بعض الشرائح في العالم العربي تقليدية جدا تعيش في مرحلة ما قبل القرون الوسطى، ونجد المعاهد التقليدية وكليات الشريعة، وأوساط الجامعيين المنغلقين كلياً. عندما تتحدث معهم تشعر كأنك انتقلت 500سنة إلى الوراء، وكذلك حينما تدخل جامعة حديثة وتجد مثقفين علمانيين أو ليبراليين تفاجأ بأنهم يتحدثون عن الحداثة ومابعد الحداثة. وبالتالي نحن نعيش العصور كلها دفعة واحدة، ونمر بمرحلة العبور الحضاري الكبير الذي يعني المرحلة الانتقالية العسيرة ما بين الفهم التقليدي للتراث الديني، وما بين الفهم الحديث. ما بين الفهم التواكلي وما بين الفهم الناضج التأويلي والمستنير للتراث. فهذه المرحلة عادة ما تكون عسيرة وقد يرافقها نزيف داخلي وهزات واختلاجات هائجة. هذا ما نشهده نحن اليوم، ويجب أن نعتبر هذه الموجة شيئاً طبيعياً لأنه شيء محتقن في أعماق أعماقنا وكنا ننتظر في لحظة وأخرى انفجاره وها هو ينفجر الآن. علينا على الأقل أن نتحمل مسؤولية هذا الانفجار عن طريق فكر حديث، وفكر عقلاني يحترم التجربة الدينية، وفكر يحترم حقوق العقل والفلسفة. عندما أرى مثلاً بابا روما يحاضر هنا في باريس أمام شخصيات فرنسية عن العقل والإيمان بالنسبة للمسيحيين تجده رجلاً مطلعاً على الفلسفة الإغريقية والفلسفة الألمانية، بينما رجال الدين عندنا للأسف الشديد لم يقرأ أحدهم كتاباً واحداً في الفلسفة، فلهذا أرى انه من الممكن إدخال علوم الفلسفة في كليات الشريعة مثلاً أو في المعاهد التقليدية أو على الأقل في الجامعات الحديثة.
@ التنوير الأوروبي والاصلاح الديني بدأ عن طريق رجال الدين في الكنيسة، بالنسبة لنا هل يوجد لدينا رجال دين يقومون بالنقلة الإصلاحية بين العقل والإيمان؟
- في هذا المجال يمكن أن نجد حسن حنفي إذا اعتبرناه رجل دين جاء وطوّر وأجرى أطروحة في فرنسا عن المسيحيين والليبراليين مثل جاك جيكتون وهو فيلسوف مسيحي، فأصبح حسن حنفي يكتب عن اليسار الإسلامي مما جعله مسلماً فيلسوفاً. ويمكن أن ترى في حسن حنفي هذا النوع من توما الكويني ولوثر، يمكن أن يلعب حسن حنفي مثلا هذا الدور النقدي بين رجال الدين والفلاسفة. هناك أيضاً محمد عبدالعزيز الحبابي من المغرب كتب عن فلسفة الشخصانية الإسلامية مثل فلسفة الشخصانية المسيحية هنا في فرنسا. فالشخصيات المسيحية في فرنسا مثل مانيول مونيه وغيره أرادوا مصالحة المسيحية مع الحداثة، ولم يدعوا إلى التخلي عن المسيحية لأنها عقيدتهم التاريخية كما هو الإسلام عقيدتنا التاريخية لا يمكن أن نتخلى عنها ولكن يمكن أن نعقلنها. رجال الدين المسيحي عقلنوه حتى أصبح فهمها مقبولاً في العصور الحديثة ومتوائماً، ونحن نريد هذا لدينا ليكون مرحلة انتقالية حيث ما زلنا في البدايات وما زلنا نتخبط فيه عبر محاولات في المغرب والمشرق العربي. هي محاولة انتقالية ويسعى أشخاص للذهاب أبعد من ذلك بحيث تكون هناك عقلنة كاملة للفكر الديني. كذلك لا تنس ان التاريخ الأوروبي ليس لوناً واحداً، فهناك تنوير ملحد، وتنوير غير ملحد.فولتير كان ينزعج من التنوير الملحد، وكان هناك فلاسفة في فرنسا يسعون للإطاحة بالمسيحية جملة وتفصيلاً. أما فولتير وغيره من الفلاسفة كانوا مؤمنين.لهذا فهناك تنوير مؤمن وهناك تنوير مادي ملحد، ونحن كذلك في الشرق نشهد نفس الشيء فنحن بشر، وأنا ضد من يفكر أن يسجنني أو يسجن غيري بحجة أننا نقلد الغرب. ولا ادري لماذا قلدني الغرب حينما كان متخلفاً وكنت أنا مستنيراً. وكما تعرف أن العلماء المسيحيين في القرن الحادي عشر أو في العصور الوسطى انقسموا وقتها إلى قسمين، فيقول قسم منهم يقول بأنه لا يمكن نقل علم الكفار - كانوا يعتبرون المسلمين كفاراً - مثل ابن سينا وابن العربي والغزالي ونترجمها أم لا.
@ نقد التراث الإسلامي يثير حساسيات كبيرة لدى الوعي السائد الذي مازال ينظر إلى هذا التراث بالكثير من القداسة، كيف يمكن تجاوز مثل هذه الإشكالية. هل على المفكرين أن يعملوا بطريقة مهادنة نوعا ما وغير مباشرة مثل ديكارت او صريحة وصادمة مثل سبينوزا ؟ .
- ديكارت يكفيه المهمة التي قام بها المتعلقة بنقد فلسفة أرسطو، أما بالنسبة الفكر الديني فقد كان الوقت مبكراً بالنسبة له وخاصة انه كان مهدداً مما جعله يختفي عن الأنظار ويسعى لتغيير موقعه كل مرة، فكان يعيش وضعاً شبيهاً للوضع الذي يعيشه المثقفون العرب بسبب خوفهم من الأصوليين، فكان يتبع مذهب التقية، كما يقال، لينجو بجلده ويحقق هدمه بترسيخ فكره، حيث قال إنهم لو قتلوني قبل أن أحقق هدفي ماذا استفدت البشرية. أما سبينوزا الذي جاء بعده ب 30سنة وكانت الظروف أنضج وكان هو راديكالياً. حتى سبينوزا طيلة حياته لم ينشر إلا كتاباً واحداً باسمه. كذلك كان يسعى كذلك لينشر كتابه (الأخلاق) إلا انه حينما سمع بأن الاصوليين يريدون أن يقيموا حملة ضده تراجع عن نشر كتابه وطلب أن ينشر بعد موته، وفعلاً مالبث أن مات بعد فترة وجيزة ثم بعد ذلك نشر كتابه بعد موته. ومع ذلك عمد الأصوليون على الوقوف على قبره وأخذوا يلعنونه ويبصقون عليه. ومحمد أركون يرى أن التطبيقات التاريخية للدين معرضة للنقد والدراسة أما الجانب الروحاني المتسامي الخالص وعلاقة الإنسان بربه فهذه أشياء وأمور مقدسة ومثالية.
@ كتابك (مدخل التنوير الأوربي) أشرت إلى أن صعود أفكار التنوير ترافقت مع صعود الطبقة البرجوازية. هل ترى مشاهد مماثلة تحدث لدينا في عالمنا الإسلامي؟
- من المستحيل فصل النهضة عن النمو الاقتصادي، فالنهضة الاقتصادية عادة تساعد في النهضة الفكرية والتنويرية.في العالم العربي نجد أن البرجوازية التاجرة في بغداد ساعدت في التنوير، فالتجار المسلمون كونوا طبقة غنية استطاعت هذه الطبقة الغنية من إنشاء مكتبات وأصبحت تصرف على الفلاسفة والشعراء، وبالتالي مثل هذا العمل يمكن أن يخلق نهضة. أيضا القوة الاقتصادية في السعودية والخليج يمكن أن تؤدي إلى إنشاء نهضة تتمثل في إنشاء مراكز بحوث وفتح مراكز ترجمة ومكتبات ودعم نشاطات الأدباء والمفكرين والباحثين. ولعلنا نذكر هنا ما قام به المأمون حينما افتتح بيت الحكمة وهو يعادل بالمعنى الحديث مراكز البحوث والترجمات. عندما تقوم السعودية بفتح مركز كبير للترجمة في الرياض، وكذلك تقوم الإمارات وقطر وسلطنة عمان وغيرها من دول الخليج فهذه تعتبر نهضة مادية التي بدورها يمكن أن يؤدي إلى النهضة العقلية. فقد قال احدهم :"من افتقر جيبه افتقر عقله".
@ هناك مقولة اخرى تقول: انه إذا انحاز السياسي الى فكر معين جعل هذا الفكر يسود، وذلك كما حدث في عهد المأمون مع المعتزلة؟
- فيما يتعلق بالمأمون والمعتزلة فعلى مما حدث إلا أن المعتزلة انهزموا وهذا دل على انه لا يكفي دعم الحاكم حتى يسود فكر معين مع يقيني التام أن الناس يعتبرون الحاكم نموذجاً يحتذى، ولكنه لا يكفي لأن هناك جدلية تؤكد انه إذا لم تكن هناك طبقة اجتماعية فلا يمكن أن تتحقق النهضة الفكرية. في أوروبا التنوير انتصر لأن الطبقة البرجوازية حلت محل طبقة الارستقراطية، وهي التي حملت أفكار التنوير وأشاعتها وسط الشعب. وحينها انتشرت أفكار التنوير من باريس إلى المدن الأخرى. ومن المدن الأخرى إلى الأرياف ثم إلى الجبال أخذت فترة طويلة. فالتنوير الإسلامي حينما يظهر وينتشر في الجامعات والمدارس وفي البيئات المثقفة على العقل يمكن أن يكف الغرب عن ملاحقتنا بحجج ومبررات تؤخذ علينا بقولهم أن مناهجنا مليئة بمواضيع أصولية متعصبة وبمواضيع عن كره المسيحيين واليهود، والأديان الأخرى فنحن نطلب التطور في جميع المجالات، وكذلك المرأة تريد أن تأخذ مكانها في المجتمع لأن المرأة نصف المجتمع، فإذا أصبحت مشلولة أصبح المجتمع مشلولاً، فالمرأة يمكن أن تكون مربية، مدرسة، طبيبة، ومهندسة، ويمكنها أن تقوم بدور كبير في قطاعات واسعة في المجتمع.
@ كيف ترى المدى الذي انتشرت به أفكار محمد أركون التنويرية؟
- لقد انتشرت أفكاره بالقياس إلى ما قبل ربع قرن. عندما تعرفت عليه لم يكن يعرفه آنذاك إلى عدد قليل في العالم الإسلامي، ولكن الآن أصبح له تيار واسع وخلال ربع قرن ترجمت له بعضاً من كتبه وليس كل كتبه، وبالتالي أصبح اسمه على الألسن خاصة في وسط المثقفين. فكر أركون ليس سهلاً لذا يحتاج إلى شرح وتبسيط لأنه يكتب بلغة أكاديمية مليئة بالمصطلحات التي أخذها من عشرات الفلاسفة الفرنسيين والأوروبيين، وهي مصطلحات قد تصعب على الأوروبيين أنفسهم فهمها فما بالك بالمثقف العربي. كثيراً ما أعاني عند الترجمة في شرح وتبسيط الأفكار للقارئ.
@ بما أننا الآن في عصر التقنية فقد ذكرت أننا يمكن أن ننتقل الانتقال المركب الذي يختصر مئات السنوات ببضعة عقود؟
- يمكن أن يتم ذلك، ولكن ليس بالزيادة عن اللزوم، وإنما يجب علينا أن نهضم المراحل رويداً رويدا.فكثيراً ما أقول للغربيين أن يمنحونا قليلاً من الوقت لأنهم احتاجوا إلى أكثر من 300لتحقيق نهضتهم وتنويرهم.ليس من المعقول أن ننهض خلال ثلاثين سنة. هذا مستحيل. نحن بحاجة إلى وقت حتى نخرج من عصور الانحطاط. إذن نحن بحاجة الى وقت طويل ويجب أن يصبروا علينا قليلا حتى نهضم العقلانية العلمية والفلسفية.إضافة إلى ذلك نحن محاصرون بالعولمة ما يعني أن التنوير لن يحتاج إلى 300سنة كما حدث في أوروبا. ربما نكون محتاجين إلى جيلين او ثلاثة حتى نمشي شوطاً طويلاً في النهضة والتنوير.
لكننا نرى أن العولمة يتم استخدامها بطريقة مضرة وتكرس العقلية المنغلقة والمتعصبة.الكثير من الشخصيات والبرامج تعيد إنتاج الأفكار الأصولية عن طريق القنوات الفضائية المؤثرة أو الانترنت. هل سيصعب هذا من مهمة التغيير ؟
- هذا يدل على أن المعركة ستكون طويلة في مواجهة الفكر الأصولي الضلالي والمعركة ستكون صعبة خاصة مع الفضائيات التي مازالت تكرس للأفكار العتيقة جداً القادمة القرون الوسطى، فأمام هذه المعركة الكبيرة نحتا ج إلى فضائيات مستنيرة. الجمهور الأصولي هو الأكثر عددية وهو المسيطر الآن على الشارع. وهذه المرحلة في تصوري الشخصي لن تدوم، واضرب مثلاً: فعندما ابتدأ فولتير وجماعة الموسوعة في فرنسا التنوير كانوا لا يزيدون عن بضع عشرات أمام جحافل الأصوليين المسيحيين وكانت المعركة بينهم غير متكافئة على الإطلاق، وبعد أربعين تقريباَ سنة استطاعوا أن يكسبوا المعركة. كانت هذه أشبه بالمعجزة، وهذا يعني أننا حتى لو كنا أقلية في العالم العربي فلابد أن نخوض المعركة ونفعل ما يمكن فعله والجيل القادم يمكنه أن يكمل المسيرة.
@ كثيرا ما تنتقد المثقفين العرب الذين يريدون الانتقال إلى العلمانية ؟
- هناك تطرف في الاتجاه الأصولي وأيضا التطرف من الجهة الأخرى غير محمود، أنا أدعو إلى فهم آخر للدين الإسلامي وللقرآن الكريم، أن يكون هذا الفهم فهما فلسفياً تاريخيا ناضجاً، وهذا هو الفهم الذي وجدته عند محمد أركون وهو ما اعمل في إطاره. أما فيما يخص التجربة الروحية فتعتبر مقدسة وهذا يدخل في إطار الأبعاد الروحية للدين ولا أدعوا أبداً لإلغائها. وهناك أيضا أبعاد غير روحية وهي لأغراض انتهازية للوصول إلى المناصب والأهداف الشخصية. أنا لا اقصد هذا وإنما اقصد الجانب الروحاني المتعالي من الدين والمتمثل في الشخصيات الإسلامية الكبرى في التاريخ الإسلامي مثل الفارابي وابن سينا والغزالي، وابن العربي، وعشرات الشخصيات الإسلامية الفذة، التي كانت لديها الوهج الروحاني الديني والذي للأسف الشديد نجده غائبا الآن.
@ لماذا اخترت أركون تحديدا؟
- لأنه يقدم انضج تحليل عقلاني للتراث العربي الاسلامي، ويعتبر إضاءة فكرية لم يسبق لها مثيل لكل تراثنا منذ أن ظهر حتى اليوم لأن مشروع نقد العقل الإسلامي بالمعنى الفلسفي يعتبر مشروعا ضخما يتضمن عدة أسئلة: كيف ظهر الإسلام؟ وكيف احتك الوحي بالتاريخ، كيف تشكلت الفرق الإسلامية في العصور الأولى، كيف حدث الصراع ما بين الديني والدنيوي، وكيف حصل دخول الفكر الإغريقي في الفكر الإسلامي، وكيف رد الفقهاء عليه بأنه علوم دخيلة، وكيف تم الهجوم على الفلاسفة، وكيف حدثت معركة بين الفلاسفة والفقهاء؟. كذلك كيف نقرأ القرآن من وجهة نظر سيمائية حديثة ومن وجهة نظر أنثروبولجية، ومن وجهة نظر مقارنة مع الأديان التوحيدية. محمد أركون كثيرا ما يجري دراسة مقارنة، ما بين أديان التوحيد الثلاثة ثم يخرج باضاءات ولا يحبذ أن يظل الشخص محبوسا في تراثه وإلا سيظل منغلقا عن فهم الدراسات الأخرى.من خلال هذه الزاوية يدعو محمد اركون الى دراسة تاريخ الأديان المقارن في الجامعات العربية.
@ سبق أن اقترحت أن يتم تدريس علم الأصوليات المقارن
- نعم اقترحت ذلك. من أجل فهم أصوليتنا بشكل جيد يجب نفهم أصولية الآخرين. كل الأديان على مختلف العصور وقفت ضد الحداثة، ولكننا نعترف أننا نعيش مرحلة صعبة وسنجتازها إن شاء الله بالتنوير والتعليم والتثقيف ونحن أمامنا المستقبل وأقول للغرب فكما كنتم تتخبطون في نفس المشاكل واستطعتم أن تسبقونا وأتيحت لكم ظروف جيدة، كذلك نحن سائرون على الطريق، وسنحاول فهم ديننا بشكل عقلاني مستنير وسنحل مشاكلنا.
@ نتقدك علي حرب بشدة وأتهمك بأنك تغير في منهجية أركون، كما أن نصر حامد أبو زيد قال إن أركون يتحدث عن النظريات المنهجية ولكنه لا يطبقها.
- أنا من الذين يقدرون ويحترمون نصر حامد ابوزيد لأنه يؤدي عملا جيدا ولكني لا أعتقد أن كتاباته ممكنة لو لم يكن مطلعاً على دراسات أركون. أما علي حرب فهو صديق وأحترمه ولكنه غير مطلع على المناهج العلمية اللازمة. مثلاً أركون طبق في كتابه (قراءات في القرآن) دراسة ألسنية وأنثربولوجية على النصوص الدينية، ويعمل على ربط نصوص القرآن بكل النصوص الدينية السابقة. ثم ينتقدونه بأنه يقوم بتنظيرات في المنهج ولا يطبقها. كذلك حينما يدرس أركون القرآن يحاول دراسة الخيال أو العجيب الساحر وماذا يعني مفهوم العقل على مستوى القرآن. المطلوب من هؤلاء أن يتواضعوا قليلا وان يركزوا في دراسة منهج أركون وان يحاولوا فهم ما يكتبه الرجل فهما عميقا، ومطلوب منهم كذلك دراسة المنهجيات في العلم الأوروبي، وكيف يمكن أن تطبق هذه المنهجيات على التراث الأوروبي وعلى التراث الإسلامي والمسيحي. ربما يجرحهم ذلك ولكن هناك مصطلحات عديدة ربما لا يعرفون معناها. من السهل قول الكلام جزافاً، وفي الحقيقة أنا أعمل وليس لدي الوقت لأرد.
@ لماذا تترجم فقط أعمال محمد أركون ؟!.
- في الحقيقة ان كل ترجماتي لأركون تعادل فقط خمس مؤلفات أركون، لأن مشروع كبير وهو بحاجة لوقت طويل، ويجب أن تكون هناك جهات أكبر لتقوم بهذا الأمر الهام جدا. صحيح هناك كتب كثيرة تفوت علينا وتترجم إلى لغات أخرى مثل الإيرانية والتركية. أنا أخترت أركون ليس لأنه عالم بالمعنى الأكاديمي ولكنه مفكر. ولأنه مفكر من أصل إسلامي يقوم بمداخلات مهمة لا يعرفها المستشرق غير المتورط بقضيتنا، أركون يكتب بوجدانه وبروحه وأعصابه وهو يريد لمجتمعاتنا أن تنهض وتلحق بركب الأمم. لهذا لديه انخراط فلسفي أعمق من المستشرقين.لكن لو استشير الآن فيما يجب عمله لنهضة الفكر الإسلامي والعربي لقلت يجب أن نقوم بمراكز بحوث خاصة بالاستشراق الأكاديمي العالي المستوى. نبحث عن ماذا ينتج الاستشراف الانغلوساسكوني في الجامعات الكبرى، وماذا ينتج الاستشراق الياباني؟ والروسي والفرنسي، او الايطالي او الألماني. فلماذا لا يكون لدينا مركز متكامل لنقل أبحاثهم ومناقشة ماذا يكتبون عنا. وحدي لا أستطيع القيام بشيء.
@ ما مشاريعك القادمة؟
- لدي كتاب عن لوثر واعمل الآن لإتمامه لأنني أكملت جزءا منه وما زال محتاجا لجزء آخر حتى يكون متكاملا. لوثر هو زعيم الإصلاح الديني المسيحي. لكي نعرف كيف حدث هذا العمل الضخم والكبير يجب أن نتعرف على لوثر والمراحل التي مر بها مشروعه التنويري.
@ ما هو جدول هاشم صالح وكيف تستطيع أن تنتج هذا العمل الغزير كتأليف وترجمة؟
- ربما يكون من حسن حظي أنني أعيش في عزلة كبيرة وقد كرست وما زلت أكرس وقتي وحياتي لهذا المشروع وأعيش وحيدا وليس لدي أولاد. وأعمل فقط في التأليف والترجمات وليس لدي مسؤوليات عائلية وربما يكون هذا هو السبب الذي جعلني أنتج بشكل غزير، وقد شاءت الظروف أن أتفرغ لهذا المشروع.أنا منغمس في المشروع التنويري بالكامل، وأتمنى أن ينهض المسلمون والعرب ويصنعوا مستقبلا حضاريا قوياً. صحيح أن جسدي في باريس ولكن قلبي وروحي في دمشق أو الرياض أو الرباط.
@ لماذا لم تعد تنشر كتاباتك عن الأدب والشعر وقراءاتك الرائعة في شعر رامبو وبودلير وغيرهم؟!.
- عندما أتخلص قليلا من هذا العمل الفكري الثقيل والمتعب أذهب للأدب، لأن هذا جانب أساسي من كتاباتي، لو أطلعتها بشكل أكبر سيتكشف القراء شخصاً آخر ، الأدب يمدني بالحيوية والسعادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.