القارئ هذه الأيام، مثل زبون في متجر، دائماً على حق، وهو قد يؤيد ما أكتب أو يعارضه، وقد يكتب بفصاحة طه حسين أو يقول «يا جمل يا بوبعة» ويبقى على حق، فالقارئ مع هجمة الإنترنت وكل تكنولوجيا أخرى يكفيني منه أن يقرأ لأنه أصبح أندر من بيض الأَنوق أو الأبلق العقوق،... ولكن... هناك دائماً «ولكن» وهي اليوم عن ثلاثة قراء وثلاث رسائل بالبريد الإلكتروني تعلق على مؤتمر فتح في بيت لحم، وكلها يعارض أبو مازن وفتح وخيارات الأعضاء، حتى وإحدى الرسائل تحمل اسم «أبو عمار» ولا بد من انه اسم حركي لأن كاتب الرسالة يهاجم ورثة الرئيس الراحل. اعتراضي هنا أنني لم أكتب عن نتائج المؤتمر لأنني كتبت عن الإعداد له، وعن الخلافات الفتحاوية، ورأيت ألا أعود بمقال ثالث خلال أقل من أسبوعين. لكل قارئ حق أن ينتمي الى هذا الفصيل أو ذاك، وأن يصل الى القناعات التي يريد شرط ألا يضل على الطريق. أبو مازن قال ما نقول جميعاً عن مواصلة الكفاح، من دون استثناء المقاومة المسلحة، وعن القدس العربية عاصمة موحدة وخلواً من المستوطنات، وعن رفض التنازل عن شبر من الأرض، وهو لا يزال يرفض الاجتماع مع بنيامين نتانياهو على رغم الضغوط الأميركية والأوروبية عليه. ومع ذلك فالأخ فوزي برهوم، الناطق باسم حماس، قال إن المؤتمر وانتخاب أبو مازن يعكسان اتجاه نتانياهو، وتجاهل قرارات المؤتمر وموقف أبو مازن وهجوم الصحافة الإسرائيلية كلها، فقرأنا في «معاريف» مقالاً عنوانه «مع معتدلين من هذا النوع...» والمقصود نوع فتح، وان اسرائيل لا تحتاج الى متطرفين من نوع حماس، وفي «يديعوت أحرونوت» مقالاً مماثلاً كتبه دوف فايسغلاس، مساعد شارون، عنوانه «الوهم انقشع» عن اعتدال فتح وإمكان التفاوض مع السلطة. وعندي بضع عشرة رسالة عما كتبت عن فتح ومؤتمرها وأبو مازن وأبو اللطف، والأخ محمد الفتاح يبرّئ محمود عباس من المؤامرة ولكن لا يستبعد العقيد محمد دحلان، والأخ أبو اسماعيل، وهو حسن الإطلاع جداً، خصوصاً على الشأن الأميركي، يسأل لماذا نحشر أبو مازن في إحدى الخانتين، متآمر على أبو عمار أو زعيم لا يفرط بشيء. ويضيف أنه لا يقيم كثير وزن لمحضر أبو اللطف، ولكن ذلك لا يبرِّئ أبو مازن تماماً. الأخ أيمن الدالاتي له موقف ضد أبو مازن، وهذا حقه ولا أناقشه فيه، لكن أرجوه من باب «العشم» ان يكون منصفاً فهو في رسالة يقول بالتأكيد «ليس أبو مازن بأنظف من السوريين» وهذا ما لم يقله أحد، وحتماً لم يقله أبو مازن. ويقول في رسالة أخرى: لا يصح وضع موقف واحد أو مشترك للرئيس عباس بجانب الرئيس الأسد، ولا أدري لماذا يطيب لجريدة «الحياة» وضع متناقضين عربيين في صف واحد فشتان ما بين الاثنين. أقول للأخ أيمن والقراء جميعاً إن العلاقة بين سورية والسلطة الوطنية جيدة، ولم أسمع الرئيس بشار الأسد يوماً ينتقد أبو مازن، كما ان الرئيس الفلسطيني حكى لي مرة بعد مرة عن حسن علاقته مع الدكتور بشّار، وحسن استقبال الرئيس له، والمهم ألا ننسى أن هناك عدواً مشتركاً لا يريد السلام. على الأقل الأخ أيمن يتفق معي في موضوع آخر ويقول إن قناعته ثابتة من كتاب الله أن الحجاب، وكذلك البرقع، هو من الأعراف وليس من الله، وهو بذلك يجد تأييداً من القارئة لولو الصغيرة التي تستعيد قول الأخ أيمن في رسالة سابقة منشورة «أكاد أجزم بأن الحجاب ليس من الدين، والإسلام أراد أن يحفظ الأعراف والتقاليد بين الناس الى أن يغيرها الزمن». رسالة لولو الصغيرة في أربعة أجزاء، وهي تقول إنها كانت تصوم وتصلي ولكن من دون التزام باللباس الإسلامي حتى فترة قصيرة، وتحكي عن المعاكسات والملاحقة، والخوف من وقع أقدام وراءها إذا أرادت النزهة، فتعود الى البيت بمزاج أسوأ مما خرجت به. مرة أخرى، المهم حرية القرار، والله سيحاسبنا جميعاً وهو غفور رحيم. القارئة ماجدة تحتج أن أكتب عن رواية حنان الشيخ «الجرادة والعصفور» من دون أن أقرأها وتتجاوز أنني قلت إن هناك كتباً قرأتها، وكتباً سأقرأها ومنها هذه الرواية، وكتباً لن أقرأها. وقد عرضت في البدء الكتب السياسية لأنها ترتبط بزمن موضوعها وأشرت الى الروايتين «الجرادة والعصفور» و «يالو» أملاً بأن يختارهما القراء الذين لم يسمعوا بالترجمة الانكليزية للقراءة في الصيف مثلي. والقارئة «نرفوزة» تقول إن الرواية ليست فضائح وانما هي «أدب واقعي على رغم عدم الوعي في الثلاثينات». مرة أخرى أجدها تجاهلت الأهم، فقد ركزت على جرأة الروائية لا فضائح كانت مدخلها الى الرواية، والنتيجة أنني تلقيت احتجاجاً مضاداً. وقارئ يسأل «كيف نسمّي الوقاحة جرأة... نحن في الشرق مجتمعات أهلية وأسرية فما حاجتنا لأدب الفضائح هذا... لا أقبل أن تصبح الوقاحة جرأة». مبسوطة يا ست ماجدة؟ كنت أحاول أن أروج للرواية لا أكثر ولا أقل، وأنت تعترضين عليّ حتى لو قرأتها وتقولين «ليس اختصاصك الأدب». أنا مؤدب جداً ولمعلوماتك لم أدرس الصحافة، بل درست العلوم السياسية ثم الأدب العربي للماجستير وكان المشرف على دراستي في الجامعة الأميركية في بيروت الأستاذ احسان عباس الذي اعتبره من أعظم أساتذة الأدب العربي في القرن العشرين. وعندما كان يغيب كان يشرف عليّ الدكتور محمد نجم، وهو مثل الدكتور عباس قدرة وشهرة، رحمهما الله وهداك.