بعد غياب ست سنوات عن مونتريال، قدّم الكوميدي الفرنسي من أصل مغربي جمال دبوز (38 سنة) على خشبة مسرح «فقط للضحك»، عمله «كل شيء عن جمال»، عارضاً بانوراما فكاهية نقدية ساخرة لمدة 90 دقيقة متواصلة. أطل على الجمهور واضعاً يده اليمنى في جيب سرواله (مبتورة نتيجة تعرضه لحادثة قطار) ملوحاً باليسرى مع ميكروفون معطل. فظن للوهلة الأولى أن الأمر مدبر أو أنه تعرض إلى مؤامرة. إلا أنه لم يكترث وتابع خلال إصلاح العطل الفني، ممازحة الحضور بلهجة كيبيكية ومستفسراً عن البطالة في «المقاطعة الجميلة». فلاقت هذه الالتفاتة استحساناً كبيراً لدى مجموعة من الشباب. لم يستسلم دبوز كعادته لإعاقته الجسدية. ولم تثنه الإعاقة عن ممارسة حياته الفنية بل ربما، هي التي فجّرت في نفسه مكامن الإبداع والتألق والشهرة على المسارح العالمية. فعلى المسرح المونتريالي بدا، على رغم قصر قامته، عملاقاً يسرح ويمرح في كل الاتجاهات، ويبوح عن كل شيء بعفوية. وتحدث عن طفولته المعذبة التي عاشها في الفقر والبؤس والتهميش الاجتماعي، وعن زواجه بالإعلامية الفرنسية ميليسا توريو ووصفه، على رغم نجاحه، «بلقاء التناقضات». ولم يوفر أبناء بلده في الاغتراب ونعتهم ب «العصيين» على التأقلم والاندماج في بعض المجتمعات الغربية. ونوه بمشاغبته التي أدت إلى طرده من صف الرياضيات، واقتحامه غرفة مجاورة كان التلاميذ فيها يتلقون دروساً في التمثيل المسرحي، وقيامه من دون استئذان، بأداء دور ساخر نال إعجاب الأستاذ دوجوا الذي أثنى عليه واحتضنه وفتح أمامه باب التميز والشهرة. هكذا، كان دبوز يتنقل من موضوع إلى آخر بلا مقدمات أو فواصل، وصولاً إلى فضائح ويكيليكس والرئيس الفرنسي ساركوزي و «عنصريته». تتكوَّن المسرحية من مجموعة من الطرائف، تألق فيها دبوز بخفة دمه، وأسلوبه الكوميدي التهكمي حتى تجاه تصرفاته الشخصية. وتفاعل مع الجمهور بموهبة الارتجال والتجدد في المواقف وبرع في استخدام ملامح الوجه وسيلة للتعبير وابتدع مفردات هجينة مشتقة من لغات عدة. حظيت مسرحية «كل شيء عن جمال» بإعجاب نقاد وصحافيين كنديين وتقديرهم. وقال جيلبرت روزون مؤسس ورئيس مسرح «فقط للضحك» إنه يمزج القضايا والمواقف ويحولها من إطارها الجدي ويخرجها بقالب فكاهي نقدي. كما أشادت به جينيفياف بوشارد الناقدة المسرحية في جريدة «لابرس»: «جمال ليس فناناً مهرجاً وإنما هو فنان يساري النزعة يلتزم قضايا الإنسان بصرف النظر عن انتمائه الوطني»، فيما وصفته جريدة «لودوفوار» ب «سوبر ستار الفن الكوميدي». كما قدم جمال دبوز في الجزائر أمس، مسرحيته الجديدة، وهي زيارته الأولى للبلد المجاور لموطنه الأصلي المغرب.