كيف يُنزع «جزء أصيل» من تراث ضارب في تاريخ الألعاب الأولمبية؟ سؤال طرحه معنيون كثر بلعبة المصارعة التي أوصت الهيئة التنفيذية في اللجنة الأولمبية الدولية باستبعادها عن برنامج مسابقات الدورة الصيفية عام 2020، خصوصاً أن اللعبة ظهرت في الألعاب الأولمبية القديمة عام 708 قبل الميلاد. وقد اعتمدت المصارعة اليونانية – الرومانية في الألعاب الحديثة بدءاً من الدورة الأولى التي أجريت في أثينا عام 1896، ودخلت المصارعة الحرة - وهي طبعاً غير مصارعة «الكاتش» التهريجية الرائجة - البرنامج الأولمبي بدءاً من دورة سانت لويس (الولاياتالمتحدة) عام 1904. المفارقة أن هذا التطوّر جاء بعد أيام من زيارة رئيس الاتحاد الدولي السويسري رافاييل مارتينيتي ريو دي جانيرو مستضيفة ألعاب 2016، حيث دشّن مركز إعداد وتفقّد المجمّع حيث ستجرى النزالات خلال الدورة، ما حدا به إلى الاستقالة احتجاجاً، فأنيطت المسؤولية بالصربي نيناد لالوفيتش. في 12 شباط (فبراير) الماضي فوجئ «عالم القوة» ب «قرار ظالم»، وقد سقطت المصارعة ب8 من أصوات الأعضاء ال14 للهيئة التنفيذية، علماً أن رئيس اللجنة الدولية البلجيكي جاك روغ لم يصوّت «وفق سياسة الحياد والنأي بالنفس المعتمدة» في «امتحان أول»، و«نجت» لعبتا التايكواندو والخماسي الحديث. ما ظهر جلياً أن المنافسات الأولمبية لم تعد حكراً على المتبارين بل طاولت الألعاب التي تُراجع جداوها دورياً، من منطلق المحافظة على برنامج متوازن غير مضخّم، من هنا السعي الدائم للصمود. ومنذ أكثر من عقدين تحوم محاولات لنزع المصارعة من البرنامج الأولبي، وكان أركان اللعبة يعتقدون أنها لن تمس! لكن «رياح التحديث» ضربت بالتاريخ عرض الحائط. ويعتمد «الأولمبيون» وخبراؤهم 39 معياراً على غرار الشعبية والعالمية والإدارة الجيدة للمنافسات، وقد تذيلت المصارعة الترتيب. وبالتالي بات الاتحاد الدولي للعبة محكوماً بالمحاربة مع 7 رياضات أخرى تطرق باب الألعاب الأولمبية هي: السكواش، التسلق، الكاراتيه، الووشو، البايسبول/ سوفتبول، الوايكبورد (رياضة بحرية) والتزحلق، من أجل نيل مقعد رياضي واحد. مصلحة الأضداد تنتشر المصارعة في أكثر من 170 بلداً، وأبرز أبطالها من إيرانوالولاياتالمتحدةوروسيا وأذربيجان وروسياالبيضاء وجورجيا وتركيا (...)، والحملة الاحتجاجية جمعت أضداداً مثل أميركا وإيران وتركيا وأرمينيا واليونان، ونظمت تظاهرات في الهند وأسف أبطال باكستانيون على رغم أن اللعبة التي كانت طقساً قائماً بذاته ومصدر نعمة و«حصانة» للبارزين فيها، لم تعد تجذب شبانهم. في المقابل، لم يحرّك العرب ساكناً، علماً أنهم حصدوا 11 ميدالية أولمبية في المصارعة منها ذهبيتان للمصري إبراهيم مصطفى في وزن خفيف الثقيل - أمستردام 1928، ومواطنه كرم جابر في وزن 96 كلغ (حرة) – أثينا 2004. كما جاءت الميدالية العربية اليتيمة في دورة موسكو 1980 من خلال اللبناني حسن بشارة الذي أحرز برونزية وزن فوق الثقيل. وكان لافتاً موقف الدعم والإصرار على بقاء اللعبة في البرنامج الذي أبداه رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي رئيس اتحاد اللجان الأولمبية الوطنية (أكنو) الشيخ أحمد الفهد الصباح. ويرجّح أن تؤدي التحركات الرافضة القرار إلى استعادة المصارعة «موقعها الطبيعي»، وهذا ما لمّح إليه روغ بقوله: «العمل الجيد يحفظ حقكم». اللافت أن 600 ألف توقيع جمعت يوم 13 شباط في أميركا (الأكثر حصداً للميداليات الأولمبية) دفعت الرئيس باراك أوباما إلى التحرّك والتهديد بمقاطعة ألعاب 2020 «إذا لم يتضمن برنامجها المصارعة». ورفضت الأكاديمية الأولمبية الدولية (أولمبيا – اليونان)، القرار أيضاً. وأعلن البلغاري أرمين نازاريان (حامل الذهبية في دورتي 1996 و2000) إضراباً عن الطعام، كما أعاد مواطنه فالنتين يوردانوف والروسي ساجيد معتزالييف ميداليتيهما الذهبيتين احتجاجاً. وبصفته نائباً في مجلس الدوما، ناشد ألكسندر كاريلين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخّل، «لا سيما أن مصارعين حصدوا 11 ميدالية بينها 4 ذهبيات في دورة لندن». ولكاريلين، البطل الأولمبي في أعوام 1988 و1992 و1996، دور مؤثر. وقد رفع الصوت موضحاً أن اللعبة فقدت خلال الأعوام ال20 الأخيرة بعضاً من وهجهها بسبب 25 تعديلاً أدخلت على قوانينها كرمى لأهداف «غير رياضية»، فلم يعد «للأعصاب والابتكار دورٌ في النزالات بل أضحت ميكانيكية جافة». كما وجّه 37 مصارعاً جورجياً من حملة الميداليات الأولمبية كتاب احتجاج إلى اللجنة الأولمبية الدولية. يذكر أن جورجيا التي استضافت أخيراً بطولة أوروبا، احتفلت بالمناسبة على طريقتها كون المصارعة «رياضة قومية تتوارثها الأجيال». وفاز أبطالها ب15 ميدالية أولمبية منذ دورة أتلانتا عام 1996. لنكولن ورامسفيلد «ربّ ضارة نافعة»، مثل يجده رئيس الاتحاد الدولي للمصارعة بالوكالة الصربي نيناد لالوفيتش مطابقاً لواقع الحال والسباق مع الوقت الذي تعيشه اللعبة، «فلولا توصية اللجنة الأولمبية الدولية التي وقعت علينا كالصاعقة لبقينا منغلقين وغافلين عن ضرورة التطوير، ونتصرف على غرار النعامة. فجأة وجدنا أنفسنا أمام ورشة عمل كبيرة ولا مفرّ من التصدّي لها في أسرع وقت». لالوفيتش كان يتحدّث إلى «الحياة» على هامش المؤتمر ال76 للاتحاد الدولي للصحافة الرياضية الذي عقد أخيراً في مدينة سوتشي الروسية، وقال إن «المعنيين باللعبة يتحمّلون مسؤولية ما حدث، مبدياً تفاؤله بخاتمة سعيدة وتطور الأمور ايجاباً، لا سيما أن المصارعة نسيج اجتماعي، وتتفوق في جمع الشعوب متجاوزة عراقيل سياسية عدة. ويظهر ذلك جلياً في حملة المؤازرة. وقد دعت منغوليا حيث تتمتع اللعبة بشعبية طاغية إلى عشاء ينظّم في مبنى الأممالمتحدة في نيويورك لتأكيد عالمية اللعبة»، كاشفاً أن لقاء ودياً سيقام في 15 أيار (مايو) المقبل بين مصارعين إيرانيين وأميركيين وروس في إحدى محطات القطار في نيويورك تحت عنوان «هدير على سكة الحديد» ينتظر أن يحتشد آلاف لحضوره. وأكد لالوفيتش العمل «ليلاً ونهاراً، وقريباً ستصبح المصارعة عصرية ونضرة من دون أن تفقد أصالتها، وذلك من خلال تغيير في القواعد والأنظمة كي تستقطب اهتمام المعلنين والنقل التلفزيوني»، مشدداً على تعزيز دور المرأة واجتذاب الجيل الجديد. وسيعقد الاتحاد الدولي للمصارعة جمعية عمومية استثنائية في موسكو للسير في خطة الطوارئ قبل نحو أسبوعين من انعقاد المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية في سان بطرسبرغ (29 أيار). وجزم: «سنذهب أقوياء إلى اجتماع بونيس إيريس (4 – 7 أيلول/سبتمبر). أهل المصارعة سيحددون مستقبلها. نحن مصارعون وسنكون على البساط وسنكسب النزال لنبرهن أهمية ما نفعله. الهدف هو الفوز منذ أن درجت اللعبة أيام الإغريق والرومان». ويذكر لالوفيتش أن في العالم أكثر من 10 ملايين مصارع وعددهم في روسيا يربو على مليون، ويقول: «الرئيس الأميركي السابق أبراهام لنكولن كان مصارعاً بارزاً، ووزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد أيضاً. شعبية اللعبة مرتفعة جداً في أفريقيا وتزاول في الريف، وتحشد عشرات الآلاف على رغم عدم توافر حلبات لها. والميداليات الأولمبية الأخيرة توزعت على أبطال من 29 بلداً في 4 قارات».