لا أعرف عن هذا الصغير سوى قصته التي تدمي القلب، أعلم أنها ليست الأولى في مسلسل العنف المحلي لكنها التحديث الأخير له، الحلقة الأقرب كانت في محافظة أحد رفيدة، إذ غدا طفل ذو أربعة أعوام جثة هامدة نتيجة عنف أسري من والده، وليت أن العنف كان من غير والده حتى تخف لوعة الحزن التي أحرقتني وجعلتني أحتضن أطفالي في مشهد قوي أضعفته الدموع، وللحق فنحن لا نقف مع هذه المآسي سوى بالحزن والدعاء وسكب ما تيسّر من اللعنات والدموع وأحياناً بالكتابة، وننكسر للحظات ثم نتناسى وكأن المعنف لا يعنينا ولا يجمعنا به شيء من لوازم الحياة والإنسانية. يذهب الصغير محمد إلى المستشفى في مرة سابقة بشج في الرأس، ويعالج على خجل ويخرج بصمت، ثم يعود لوالده «السياف» من دون أدنى ملامسة لتفاصيل الشج، ولا مساءلة لحضوره الطارئ والتفاصيل السرية التي قدمت به إلى حجرة مشفى، وكأن المسألة لا تتجاوز شغباً طفولياً وعبثاً شيطانياً، وليت أن من عالجه ذلك المساء أبقاه في غرفة منزوية وأغلق عليه كل الأبواب، وخبأه عن الجحيم الذي سيكون أمامه بعد الخروج المر، لأن الموت هنا لا يعبرنا كخنجر في الخاصرة. قبل أمس ودّع محمد الحياة بعد عنف دموي/ أبوي لم يقف له أحد في ما سبق من التجارب والسنين، ولا أظن أحداً سيقف له من بعد، عار وأي عار أن نبقى متفرجين على هذه الصدمات الهائلة والعنيفة، ولا جريمة تعدل أن يقتل أب ولده الذي لم يتجاوز أعوامه الأربعة، ولن يقبل مجتمعنا - المصدوم بهذه المهازل - أي أعذار ومبررات للفعل الرهيب مع ركلي العنيف للمخدرات والمرض النفسي، والآن أخت محمد ذات التسعة أعوام تتجه بالتدريج لمصير أخيها، الفوارق تكمن في الكيفية والتوقيت ليس إلا، فالاتهامات تتجه لوالدها في كسر قفصها الصدري قبل مدة وجيزة. أكتب لكم والحروف لا تستوي على الخط حرقة ووجعاً وانهياراً على محمد الذي مات، وكان بإمكاننا أن نقف بالمرصاد لوالده ونعفيه من أبوة لا يستحقها ولا يُثَق في توليه لها، الآن أفكر كثيراً في أخته، وأعلم أنها تنهار مرتين: واحدة لفقد الشقيق الذي كان يلاعبها وتمسح على كدماته ورضوضه وتلجأ لحضنه الندي الصغير، ومرة أخرى للكابوس الذي ينتظرها في بيتها، فالأب لن يظل طويلاً تحت رهن التحقيق لأن الأعذار جاهزة. إلى كل من بيده شيء، إلى قلوب ترحم وعيون تدمع، خذوا حق محمد وإن مات، واحموا أخته قبل أن تموت، وأخرجوها من جحيم لا طاقة لها به، هذه المآسي تطحن أرواحنا وتخيفنا من مستقبل مظلم، ولا يخفف بقاياها فينا إلا جزاءات بحجم الدمار الذي أسكنته فيها، والبراءة التي أزهقتها عن عمد، لك الله يا محمد ومعك الله يا أخته الضعيفة. [email protected] @alialqassmi